كتاب أصول الدعوة وطرقها 3 - جامعة المدينة

هذا الطعام معكم. فقال رجل من قريش مع القوم: واللات والعزى، إن كان للؤم بنا أن يتخلف محمد بن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم، فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظًا شديدًا، وينظر إلى أشياء من جسده قد كان عنده من صفته، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا قام إليه بحيرا وقال له: يا غلام، أسألك بحق اللات والعزى، إلا أخبرتني عما أسألك عنه، وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما، فزعموا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: لا تسألني باللات والعزى شيئًا؛ فوالله ما أبغض شيئًا قط بغضهما.
فقال له بحيرا: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فقال له: سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله في نومه وهيئته وأموره، وجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخبره، فوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه، موضعه من صفته التي عنده، فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني. قال بحيرا: ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيًّا. قال: فإنه ابن أخي. قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به قال: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبْغُنَّه شرًّا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فخرج به فأسرِع به إلى بلاده، فخرج به عمه أبو طالب سريعًا حتى أقدمه سكنه حين فرغ من تجارته بالشام)).
رعي الغنم ودلالته على إعداد النبي -صلى الله عليه وسلم- لتحمل الرسالة:
لقد عمد محمد -صلى الله عليه وسلم- منذ أن أضحى يعيش في كنف عمه أبي طالب إلى مساعدته، ولا سيما أن أبا طالب كان في أشد الحاجة للمساعدة لفقره وكثرة عياله، فاشتغل

الصفحة 68