كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة

أصابها من تضييع ونسيان؛ إذ لم يبق فيها ما يُجزم بصحة نسبته إلى الله تعالى أبدًا، عرف هذه الحقيقة وقررها المنصفون والمحققون من علماء أهل الكتابين معًا.
ثانيًا: كان التشريع في الكتب السابقة خاصًّا ببني إسرائيل، وموقوتًا بزمنٍ معينٍ، والدليل على نسخ القرآن للكتب قبله: أمر الله تعالى لنبيِّ القرآن محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يحكم بين سائر الناس على اختلاف ما ينتحلون من ديانات بالقرآن الحكيم، وهذا كما جاء في قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} (المائدة: من الآية: 48).
وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} (النساء: 105).
فالقرآن الكريم كتابٌ عامٌّ شاملٌ دائمٌ إلى قيام الساعة، أما الكتب السابقة فكان التشريع فيها موقوتًا كما ذكرت وأشرت بزمنٍ معينٍ، وقد نُسخت جميعها بكتاب الله -تبارك وتعالى.
أيضًا ممّا يُبين منزلة القرآن الكريم بين كتب الله تعالى: أن القرآن الكريم مهيمنٌ على جميع الكتب رقيبٌ عليها شهيد، فما صححه منها وأقره فيها صَحّ وقَرّ، وما أبطله منها ونفاه لكونه دخيلًا عليها ليس منها بَطَلَ وانتفى، كما جاء القرآن الكريم شاهدًا ومصدقًا على هذه الكتب جميعها، قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}.
أيضًا للقرآن الكريم منزلة عاليه تظهر فيما يحمله من التشريع الإلهي الذي جاء لكل الناس في أي مكانٍ كانوا، وفي أي زمانٍ وُجدوا، وذلك لعموم رسالة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (الفرقان: 1).
وأيضًا: فالله -عز وجل- تعهد بنفسه لحفظ كتابه، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9).
وقال -جل ذكره-: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت: 41، 42).

الصفحة 102