كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة

فالله -عز وجل- حفظ كتابه، وذلك بأن قيض له رجالًا أمناء حفظوه في صدورهم وسطورهم، فلم تقو يد الزمان ولا يد العدوان على أن تزيد فيه حرفًا، ولا أن تنقص منه حرفًا، بخلاف غيره من الكتب، وهي التوراة الذي ضاعت كلها في غزو بختنصر البابلي لمملكة بني إسرائيل، ولم يعثر عليها إلا فيما بعد، ثم لما جُمِعَتْ -والله أعلم- بصحة ما جُمِعَ فيها غيروها، وحرفوها، وبدلوها، أما الإنجيل فيكفي في دلالة على عدم حفظه أنه اليوم توجد خمسة أناجيل بعد أن كان يوم نزوله إنجيلًا واحدًا.
وختامًا أقول عن هذا القرآن الكريم، وعن منزلته بين الكتب الأخرى أن هذا الكتاب شمل أصول الهداية البشرية وفروعها، واحتوى على أعظم منهجٍ ربانيٍّ الذي يحقق السعادة للإنسان في الدنيا والآخرة إذا آمن به، وعمل بما جاء فيه، قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (المائدة: 15، 16).
د- ننتقل بعد ذلك إلى النقطة التالية، وهي بعنوان: إشارة إلى ما في القرآن من الهدى التام والخير العام:
وإنني إذ أتحدث عن ذلك بعد ذكري لمنزلة القرآن الكريم بين الكتب السماوية السابقة، إذ أتحدث عن هذا الآن أود أن أبين لعموم الناس لوحة مشرقة عن هذا القرآن الكريم الذي جاء من عند الله -عز وجل- ففي القرآن المجيد من الهدي والخير لبني الناس كافة ما لا يوجد اليوم، والله معشار عشره في كتابٍ غيره، ومن ذلك الرحمة بأتم معناها، الرحمة التي تعم الإنسان والجان والحيوان، والكبير والصغير، والكافر والمؤمن، والحي والميت، قال تعالى في إثباتها: {الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} (لقمان: 1: 3).

الصفحة 103