كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة

وبدون هذا النور تعمى القلوب، فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمي القلوب التي في الصدور، وعماها ضلالها عن الحق، وتركها لما ينفعها، وإقبالها على ما يضرها، ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم، وإخراج الناس الرسل من الظلمات إلى النور لا يتحقق إلا بتعليمهم تعاليم ربهم، وتزكية نفوسهم بتعريفهم بربهم وأسمائه وصفاته، وتعريفهم بملائكته وكتبه ورسله، وتعريفهم ما ينفعهم وما يضرهم.
وقد دلت الرسل البشر على السبيل التي توصل إلى محبة الله -تبارك وتعالى- وتعرف به وتدعو إلى عبادته، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (الجمعة: 2).
الوظيفة الخامسة: تقويم الفكر المنحرف، والعقائد الزائفة: كان الناس في أول الخلق على الفطرة السليمة يعبدون الله وحده ولا يشركون به أحدًا، فلما تفرقوا واختلفوا أرسل الله الرسل ليعيدوا الناس إلى جادة الصواب، وينتشلونهم من الضلال، قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} (البقرة: من الآية: 213) أي: كان الناس أمة واحدة على التوحيد والإيمان وعبادة الله، فاختلفوا فأرسل الله النبيين مبشرين ومنذرين، وقد كان كل رسولٍ يدعو قومه إلى الصراط المستقيم، ويبينه لهم، ويهديهم إليه، وهذا أمرٌ متفقٌ عليه بين الرسل جميعًا، ثم كل رسولٍ يُقوّم الانحراف الحادث في عصره ومصره، فالانحراف عن الصراط المستقيم لا يحصره ضابط، وهو يتمثل في أشكالٍ مختلفة، وكل رسول كان يعتني بتقويم الانحراف الموجود في عصره، كما اهتم نوح -عليه السلام- بإنكاره على قومه عبادة الأصنام، وكذلك إبراهيم، وصالح -عليه السلام- أنكر على قومه الإفساد في

الصفحة 112