كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة

وهناك دليلٌ آخر وهو أن العالم كل له أجزاء، ونحن نشاهد الفناء يجري في أجزائه باستمرار، فمثلًا الحيوان والنبات يفنى أمامنا، وتحت سمعنا وبصرنا، ونفقد وجودهما باستمرارٍ ودون انقطاعٍ، وهما قطعًا أجزاءٌ من هذا العالم، كما أننا نرى الزلزال من الفينة إلى الفينة يُدمر مدنًا وقرًى كبيرةً، ويغير معالم الأرض في كثير من البلاد في العالم، فظاهرة الفناء إذن لأجزاء هذا العالم دالةٌ على فناء العالم كله؛ إذ ما أمكن الفناء في أجزائه أمكن فناء كله.
وبناء على هذا أقول: اليوم الآخر ممكن الوقوع، وهو مرتقبٌ جدًّا وقوعه حقيقة، وهو اليوم الذي لا يأتي بعده يوم من أيام هذه الحياة الدنيا، وذلك لخراب العالم وفنائه، والإيمان باليوم الآخر هو عبارة عن التصديق الجازم بانقلابٍ هائل يتم في الكون، ويكون انتهاء هذه الحياة الدنيا بكاملها، وابتداء حياة أخرى، وهي الدار الآخرة بكل ما فيها من حقائق مدهشة من بعث الخلائق، وحشرهم، وحسابهم، ومجازاتهم، هذا الإيمان ليس واجبًا فحسب، بل هو أحد أركان ستة عليها تبنى عقيدة المؤمن، فلا تتم إذن عقيدته إلا به، ولا تصح إلا عليه، قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} (البقرة: من الآية: 177) فنصت الآية هنا على أن الإيمان باليوم الآخر ضروري، بل إنه أتى بعد الإيمان بالله -تبارك وتعالى.
ولأهمية هذا المعتقد في حياة المؤمن، ولآثاره الكبرى في استقامة الفرد وصلاحه عنى القرآن الكريم به عناية لا تقل عن العناية بالإيمان بالله -سبحانه وتعالى- فقد ذكره ربُّنا -عز وجل- في كتابه في عشرات السور من القرآن الكريم، وفي مئات الآيات مرة بوصفه والحديث عنه كقوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (الحاقة: 13: 17).
ومرة بتقريره وتأكيد

الصفحة 117