كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة
وأيضًا من مسالك القرآن الكريم في إقامة الأدلة على البعث والنشور: استدلاله بنوم الإنسان والحيوان واستيقاظهما، فالنوم يُعتبر موتًا مصغرًا، والاستيقاظ يُعتبر حياة مصغرة أيضًا، فكما تتم عملية النوم للإنسان والحيوان وعملية الاستيقاظ لهما، تتم أيضًا عملية الموت والحياة الكاملة لهم، جاء هذا الاستدلال في قول الله تعالى من سورة "الأنعام": {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (الأنعام: 60) فتأملوا هذه الآية حينما ذكر وفاتنا بالليل، وأنه يعلم ما كسبنا في النهار، أشار رب العزة والجلال إلى أنه كما يُنيمنا بالليل ويبعثنا في النهار يُرجعنا إليه -سبحانه وتعالى- وهذا دليلٌ واضحٌ.
وأيضًا من الأدلة: الاستدلال بالأرض الميتة بسبب طبيعتها أو الجدب أو القحط؛ حيث تنعدم فيها الحياة تمامًا، ثم يُنزل الله -عز وجل- عليها الغيث أو تسقى بالماء؛ فتعود إليها كما كانت وخيرًا ممّا كانت نماءً وازدهارًا، والذي يوحي الأرض بعد موتها يحيي الإنسان أيضًا إذا مات وتحلل، وفي ذلك يقول -جل ذكره- من سورة "فصلت": {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (فصلت: 39).
وقال تعالى من سورة "الحج": {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} (الحج: 5، 6) وكما أشار في الآية السابقة بعد ذكره -سبحانه وتعالى- أنه يُنزل الماء على الأرض الميتة فتهتز وتحيا، فكما يفعل ذلك بهذه الأرض الميتة يُخرج الإنسان بعد ذلك أيضًا من الأرض ويحييه ويبعثه؛ ولذلك أشار بعد قوله: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} قال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
أيضًا من الأدلة: الاستدلال بالقدرة الكافية التي بها خُلِقَ آدم -عليه السلام- من تراب، وذريته من نطفة على إمكان الميعاد والبعث وتقرير
الصفحة 119
522