كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة

وشرٍّ، لعدم استكمال المجازاة في هذه الحياة الدنيا، فنحن نجد أن بعض الصالحين يُظلم في هذه الأرض، ولا يؤخذ حقه من الظالم، ويموت الظالم ولم يستوف منه الحق بعد، فكان ولا بد من حياة أخرى يقوم فيها الناس ليُجزى كل عامل بما قدم، وفي ذلك يقول رب العزة والجلال مشيرًا إلى هذا: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (آل عمران: 185).
وقال تعالى من سورة "الليل": {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} (الليل: 4: 11).
ولذلك كانت التكاليف الشرعية التي كلف الله -عز وجل- بها العباد تدل على وجود حياة أخرى يتم فيها الجزاء على القيام بتلك التكاليف، وعلى تركها وإهمالها؛ إذ لم يتوفر جزاءٌ كافٍ في هذه الحياة الدنيا على تلك التكاليف، قال سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (الملك: 1، 2).
وهناك آيةٌ صريحةٌ في ذلك، وهي قوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} (المؤمنون: من الآية: 115، 116).
ومن أعظم الأدلة بعد ذلك على البعث والجزاء والحياة الآخرة: أخبار الله تعالى، وأخبار رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- إن الذي يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا يجد في نفسه بحال داعيًا للشك، ولا مسارًا للجدل، والنزاع في ثبوت الميعاد، وكل ما يتم فيه من حساب وجزاء؛ إذ أخبار الله تعالى كلها صدقٌ وحقٌّ، فقد أخبر تعالى بآلاف الأخبار، فلم تكن إلا وفق ما أخبر، كما أخبر رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- بآلاف الأخبار، فلم يتخلف منها خبرٌ واحدٌ عن مدلوله، فكيف يٌعقل إذن أن يخبر الله تعالى، ويخبر رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- بمئات الأخبار عن ثبوت الحياة الثانية، وعن كل ما

الصفحة 121