كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة

الخاصيةُ الثالثةُ من خصائص النظام السياسي في الإسلام هي: العالميةُ:
النظامُ السياسيُّ في الإسلام له صفةُ العالميةِ؛ لأنه منزلٌ لجميع الناس على حدِّ سواء، وصالحٌ لهم جميعًا بِحَسَبِ طبيعتهمِ الإنسانيةِ، بغض النظر عن الجنسِ أو اللونِ أو اللغةِ، وبصرف النظر عن المكان والزمان، فالدينُ الإسلاميُّ وما جاء به من النُّظُمِ له هذه الخاصيةُ في الزمان والمكان، فعالميةُ الزمانِ تعني: أنها صالحةٌ إلى قيام الساعة، وعالمية المكان تعني: أنها صالحةٌ على أي جزء من أجزاء المعمورة، فهي صالحةٌ للناس جميعِهم على اختلافِ أجناسهِمْ ولغاتِهِمْ.
ولقد جاءتْ الآياتُ والأحاديثُ ببيان هذه الصفةِ، ومن ذلك: قولُ الحق -تبارك وتعالى- في كتابه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (الأعراف: من الآية: 158) وقال اللهُ -عز وجل- عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وخاطَبَهُ بذلك: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107) صلوات الله وسلامه عليه.
فَبِعثَةُ النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- بِعثةٌ عامَّةٌ، بعثةٌ شاملةٌ، ليست محدودةً، ولَا لَقَوْمٍ دونَ قومٍ، كما كان الحالُ عليه الأنبياء السابقين قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ولذلك نجد أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وآله وسلم- ذكرَ في حديثهِ أنه فُضِّلَ على الأنبياءِ بفضائلَ، كقوله: ((فُضلتُ عَلَى الأنبياءِ بِخَمْسٍ ... )) وفي رواية: ((بِست ... )) وذكر منها -صلى الله عليه وآله وسلم- قوله: ((وكان النبيُّ يُبعثُ إلى قومه خَاصةً، وبُعِثْتُ إلى الناس عَامةً)).
ولهذا أخبر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن هذا الدينَ سيبلغُ الآفاقَ، وذلك في قوله: ((ليبلغنَّ هذا الأمرُ ما بَلَغَ الليلُ والنهارُ)) ويعني بهذا: ((الأمر)): الدينَ والوحيَ والتشريعَ الذي بُعثَ به -صلى الله عليه وآله وسلم- وذكر أنَّ اللهَ -عز وجل-: ((لا يتركُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَر إلا أدخلَهُ اللهُ هذا الدينَ، بِعِزِّ عَزيزٍ أو بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بهِ الإسلامَ، وذلًّا يُذِلُّ اللهُ بهِ الكُفْرَ)).

الصفحة 21