كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة
هي الأساس لبناء المجتمع ونظامه؛ حتى يعملَ الأفراد في ضوء عقيدتهم كأفراد وأعضاء في المجتمع، كما يعمل المجتمع كجماعة منظمة في ضوء هذه العقيدة التي يحملها أفرادُه، ويترتب على ذلك أن كل من يحمل هذه العقيدة، ويدين بها ويلتزم بمقتضاها يكون أهلًا للانتماء إلى هذا المجتمع الإسلامي، فيصبح عُضوًا فيه، ويساهم في بقائه وتحقيق أغراضه، والتمتع بمزاياه، وتحمل تبِعاته، مهما كان جنسه، أو نوعه، أو لونه، أو لغته.
والحقيقة أن تقديم الإسلام هذا الأساسَ لإقامة المجتمع البشري كان حدثًا ضخمًا وفريدًا في التاريخ البشري، ما كان الناس يعرفونه ولم يخطر ببالهم؛ فالرومان واليونان والفرس والعرب قبل الإسلام أقاموا مجتمعاتِهم على أساس الجنس، أو القبيلة، أو السلالة، أو الإقليم، وبنَوْا على هذا الأساس أباطيلَ كثيرةً، تولَّد عنها الظلم والبغي وإهدار كرامة الإنسان، فلما جاء الإسلامُ بهذا الأساس الجديد لبناء المجتمع ونظامه كان ذلك انقلابًا هائلًا في الحياة البشرية؛ تكريمًا للإنسان، ووضعًا للأمور في نِصابها.
فليس من اللائق بالإنسان بناءُ مجتمعه على أساس الجنس أو القبيلة أو الإقليم كما كانت تفعل المجتمعات الجاهلية قبل الإسلام؛ ذلك لأن أصل البشر واحد، ولا يمكنه حجبَ هذه الحقيقة لاختلاف الناس بالأنساب والأجناس؛ لأن أجناسهم وشعوبهم المختلفة كالأغصان للشجرة الواحدة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (النساء: من الآية: 1).
وفي الحديث الشريف: يقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((كلكم لآدم، وآدمُ من تراب ... )) وكذلك لا معنى لاتخاذ الإقليم أساسًا للمجتمع البشري؛ لأن الأرض خلقها الله للناس، فهي إقليمهم، وهي وطنهم المشترك، قال تعالى: {وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ} (الرحمن: 10).
الصفحة 26
522