كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة

ولهذا يجب على كل مسلم أن يتعهد المجتمعَ الذي يعيش فيه، وأن يزيل المنكرات حالَ ظهورها أو وقوعها، وألا يستهينَ بذلك؛ لأن المنكرات كالجراثيم التي تُؤثر في الجسد قطعًا، وإذا لم تمرض البعض فإنها تضعف مقاومته، فيسهل عليها فيما بعد التغلب عليه.
ولهذا كانت أولى مهمات الدولة الإسلامية إقامة هذا المجتمع الإسلامي الفاضل، وإزالة المنكرات منه، قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} (الحج: 41).
وقيام الأفراد بإصلاح المجتمع ينجيهم، وينجي المجتمعَ من الهلاك الجماعي، أو العقاب الجماعي، أو الضيق، والضنك، والقلق، والشر الذي يصيب المجتمع، وتوضيح هذه الجملة يحتاج إلى شيء من التفصيل؛ لأهمية الموضوع وخطورته، فأقول:
من سنة الله تعالى: أن المجتمع الذي يشيع فيه المنكرُ، وتُنتهك فيه حرماتُ الله، وينتشر فيه الفسادُ، ويسكت الأفراد عن الإنكار والتغيير، فإن الله تعالى يَعمُّهم بمِحنٍ غِلاظٍ قاسيةٍ تعم الجميعَ، وتصيب الصالح والطالح، وهذه في الحقيقة سنة مخيفة، وقانون رهيب، يدفع كل فرد لا سيما مَن كان عنده علم وفقه أو سلطان إلى المسارعة والمبادرة فورًا لتغيير المنكر؛ دفعًا للعذاب والعقاب عن نفسه، وعن مجتمعه.
والدليل على ما نقول من القرآن والسنة: قول الله تعالى في كتابه: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال: 25) قال ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في هذه الآية: "أمَرَ الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم، فيعمهم العذاب" فمقصود الآية إذن: واتقوا فتنة تتعدى الظالم فتصيب الصالح والطالح.

الصفحة 36