كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة

وقد جاءت السنة النبوية بما جاء به القرآن؛ ففي (صحيح الإمام البخاري) -رحمه الله تبارك وتعالى - عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: ((مثلُ القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضُهم أعلاها وبعضُهم أسفلَها، وكان الذين في أسفلها إذا استقَوا من الماء مروا على مَن فوقَهم، فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ مَن فوقَنا، فإن تركوهم وما أرادوا هَلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجَوا ونجوا جميعًا)).
في هذا الحديث دليلٌ على تعذيب العامة بذنوب الخاصة، وفيه استحقاق العقوبة للجماعة كلها عند ظهور المعاصي، وانتشار المنكر، وعدم التغيير، وأنه إذا لم تُغير المنكرات وترجع الأمور إلى حكم الشرع وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم هجران ذلك البلد، ويمكن القول أيضًا: أن في هذا الحديث الشريف دلالة أخرى، وهي: أن الانحراف عن المنهج الصحيح والمسلك السديد يؤدي إلى الهلاك والضرر، ولا ينفع في دفعهما عن الجماعة كون المنحرفين حسنِ النية والقصد؛ لأن الذين أرادوا خرقَ السفينة، إنما أرادوا بخرقها عدم إيذاء مَن فوقهم، فنيتهم حسنة، ولكن لم تغنِ عنهم حسن نيتهم ومقصدهم؛ لأن فعلَهم خروجٌ على النهج السديد في معالجة ما يَهم الجميع.
وجاء عن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- قال: ((يا أيها الناس، إنكم تقرءون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة: من الآية: 105) وإني سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: إن الناس إذا رأَوا الظالمَ، فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابٍ منه)).
فهذا يدل على أن وقوع الفساد في المجتمع والسكوت عليه وعدم تغييره سببٌ للعقاب الجماعي.
ولذلك أدعو -وأنا أتحدث في هذا المكان- إلى أهمية وضرورة قيام المجتمع الصالح؛ لأن قيام المجتمع الصالح الذي يتعاون فيه الأفراد على البر والمعروف والتقوى ينجيهم جميعًا من الفوضى، ومن عذاب الاستئصال

الصفحة 37