كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة
ب- النقطة الثانية في هذا العنصر، وهي بعنوان: الأدلةُ على ذَمِّ التفرق والاختلاف:
الجماعةُ هي الأصل، وملازمتُها هو الواجبُ والمطلوبُ، أما مفارقة الجماعة فأمر طارئ وحادث، وهو مع ذلك أمر خطير وشنيع، ويؤدي إلى الهلاك والدمار -والعياذ بالله تبارك وتعالى- لأن التفرق يُضعف الأمة، ويذهب بهيبتها، ولذلك جاءت الآيات الكثيرة تحذِّر منه، وتحمل في ثناياها الوعيدَ الشديدَ لمَن ترك الجماعة وفارقها.
ومن ذلك: ما جاء في قول الله -تبارك وتعالى-: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (آل عمران: 105: 107).
وقد جاء عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: "يوم تبيض وجوه أهلُ السنة، وتسود وجوه أهلُ البدعة".
ولو تأملت هذه الآيةَ مرةً أخرى، ونظرت إلى قوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا} والخطابُ موجه لجماعة المؤمنين، وفيه تحذير شديد، ونهي كبير عن التفرق والاختلاف بعدَ مَا جاءنا من عند الله -عز وجل- وبعد ما جاءتنا البينات الواضحات التي أتى بها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد بينت الآية أن التفرق والاختلاف مآلُ أصحابه إلى النار وبئس القرار، أما اتِّباع الكتاب والسنة فمآلُ أصحابه إلى الجنة ونعم القرار والمصير؛ والله -عز وجل- نهى في آيات كثيرة عن التفرق -أيضًا- والاختلاف، وهذا كما جاء في قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونََ} (الأنعام: من الآية: 153).
ولعل الملاحظ من هذه الآية: أن الله -تبارك وتعالى- أفردَ الصراط هنا بالذكر، حينما ذكر الصراطَ ذكره مفردًا، قال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} لأن الطريق إلى الله واحد؛
الصفحة 39
522