كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة

إصلاح النفوس، وغرس القيم الفاضلة فيها، وإحاطة المجتمع بسوره الأخلاقي الذي يحكم مسيرة الفرد والمجتمع.
الخاصية الثانية -من خصائص النظام الاقتصادي في الإسلام-: أنه نظام فطري؛ عندما يتعامل الفرد وفق نظام الإسلام يجد هذا النظام قريبًا إلى فطرته، فلا تجد صدودًا عن التعامل به، فَالْإِنْسَانُ مَفْطُورٌ عَلَى حُبِّ التَّمَلُّكِ، وَالْإِسْلَامِ يُبِيحُ الْمِلْكِيَّةَ فِي أَوْسَعِ صوَرِهَا، وكل ما يفعله هو تقييدها بقيود؛ حتى لا تضر الفرد والمجتمع، وكذلك يبيح الإسلام له من العمل ما لا يضر بنفسه أو بغيره من الأفراد أو من المجتمعات، وأنت إذا نظرت في النظام الشيوعي وَجَدْتَهُ نِظَامًا يُصَادِمُ الفطرة الإنسانية؛ حيث يمنع أصحابه من ملكية وسائل الإنتاج، ويحول الشعب إلى عمالٍ عند الدولة، وفي سبيل تحقيق هذا المبدأ استولى على الأراضي والمصانع والمنشآت.
وَلَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ مَفْطُورًا عَلَى حُبِّ التَّمَلُّكِ وَالْحِرْصِ عَلَى الْمَالِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ هُنَاكَ ثَارُوا، فَسَالَتْ دِمَاؤُهُمْ أَنْهَارًا؛ لقد قتل الشيوعيُّونَ في روسيا أكثر من ثلاثين مليونًا من البشر، هذا عدا الذين سَجَنُوهُمْ أو نَفَوْهُمْ، ويصادم النظام الشيوعي الفطرة الإنسانية من جانبٍ آخر؛ فهو يطالب كل عاملٍ في الدولة أن يبذل كل ما يستطيع في سبيل تحقيق الغاية من العمل الذي يقوم به، ولكنه لا يعطيه ما يكافئ جهده، بل يعطيه من المال ما يسد حاجته، والإنسان مفطور على أن يبذل من الجهد بمقدار ما يتوقع من المكافأة؛ فإذا كانت المكافأة محدودة قل الجهد، وَدَفَعَ ذلك الْعُمَّالَ إِلَى التقاعس عن العمل، وبالتالي يقل الإنتاج، وأنت إذا نظرت في نظام الإقطاع وجدته يصادم الفطرة الإنسانية أيضًا؛ فلم يكن يسمح -ولا يمكن أن يُسْمَحَ- في ذلك النظام للإنسان أن ينتقل من مجال عملٍ إلى مجالٍ آخر، فكل عملٍ مقصور على فئةٍ معينة، وهذا يخالف الفطرة الإنسانية، فالمرء قد لا يناسبه عمل معين، ويناسبه غيره.

الصفحة 49