كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة
الخاصية الثالثة: الاعتدال والتوازن: إن مشكلة الأنظمة الاقتصادية التي تختلف عن الإسلام أنها ترى جانبًا واحدًا من الحقيقة، ويخفى عليها بقية الجوانب، والإسلام تَفَرَّدَ؛ لأنه من تنزيل العليم الخبير سبحانه بالرؤية الشاملة لجميع الجوانب، فجاء نظامه الاقتصادي معتدلًا متوازنًا، يتضح هذا للناظر في النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي وضع التشريعات الكثيرة لحماية حرية الملكية الفردية وحرية العمل، ولكنه أهمل إهمالًا كبيرًا رعاية حق المجتمع، فنال الأغنياء والأثرياء في تلك المجتمعات أكثر من حقهم، فَنَشَأَتْ عَنْ ذَلِكَ مَظَالِمُ كثيرة، ووقع الضرر بالآخرين.
وأنت إذا نظرت في النظام الشيوعي وجدت واضعيه يهدفون إلى تحقيق مصلحة المجتمع، وَلَكِنَّهُمْ فِي سَبِيلِ تَحْقِيقِ ذَلِكَ ظَلَمُوا الْفَرْدَ، وَمَنَعُوهُ مِنْ حُقُوقِهِ فِي الْمِلْكِيَّةِ وَالْعَمَلِ، وَجَاءَ الْإِسْلَامُ وحده؛ ليضع نظامًا صالحًا لإقامة حياة الأفراد وحياة المجتمع الذي يعيشون فيه؛ لا يُظْلَمُ فِيهِ الْفَرْدُ ولا المجتمع، وهذا ما لا نجده في النظم الأرضية البشرية.
الخاصية الرابعة: تحقيق التراحم والتعاون: إن الإسلام يقيم نظامًا اقتصاديًّا، ينسجم في مساره مع هدف الإسلام في إقامة المجتمع الإسلامي المتراحم المتعاون؛ فالتشريعات الاقتصادية الإسلامية توجه الأغنياء إلى السعي في مصالح الفقراء، وتقديم العون لهم، وسد خُلتِهِمْ، وليس لهم في ذلك مِنَّةٌ، بل هو أمر إلهي رباني، يُعَاقَبُ من حَادَ عَنْهُ؛ فالإسلام يقول لأبنائه: أنتم إخوة فيما بينكم.
ويقول لهم: المال الذي في أيديكم مال الله، وللفقراء حق في أموالكم، ويفرض في سبيل تحقيق هذا فرائض -كالزكاة والخمس من الغنيمة والخراج- ويحبب ويحث على الصدقات والإنفاق، وهذا يجعل المجتمع الإسلامي مجتمعًا تسوده الألفة والمودة بين أبناء هذا
الصفحة 50
522