كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة

المجتمع، ويتحقق فيه التواصل، والتراحم، والتعاون، والبر، والمودة، وما إلى ذلك.
وأنت إذا نظرت إلى المجتمع الشيوعي تجد أن أحد أَعْمِدَتِهِ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا هُوَ الصِّرَاعُ بَيْنَ طَبَقَاتِ الْمُجْتَمَعِ، هَذَا الصِّرَاعُ هُوَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى العداوة والبغضاء وسفك الدماء ونهب الأموال، ومن ينظر في حال الدول الشيوعية يعلم صدق هذا الذي نقوله.
والمجتمعات الرأسمالية لا تخلو من هذا المرض؛ فالفارق هناك بين البشر كبير؛ فئة كبيرة هي التي تملك الثروة، وبقية الأفراد لا يملكون إلا القليل، والأغنياء هناك لا شأن لهم بالفقراء؛ فالمال مالهم، ولا شأن لأحدٍ بهم، وهذا يدعو إلى قطيعة هذه المجتمعات والنفرة فيما بينهما بعكس ما جاء به الإسلام والنظام الاقتصادي.
الخاصية الخامسة -من خصائص النظام الاقتصادي في الإسلام-: هو أنه نظام يقوم على أخلاق الإسلام وَقِيَمِهِ: لَقَدْ قَامَ النِّظَامُ الْإِسْلَامِيُّ عَلَى إِتَاحَةِ فُرَصِ الْعَمَلِ أَمَامَ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ، كَمَا أَبَاحَ التَّمَلُّكَ لَهُمْ عَلَى حَدٍّ سواء، ولكنه لم يترك ذلك فوضى من غير حدودٍ ولا ضوابط؛ لقد عنى الإسلام بغرس الأخلاق الفاضلة والقيم الحميدة التي تُقِيمُ مِنَ الْإِنْسَانِ حَارِسًا عَلَى نَفْسِهِ، تَمْنَعُهُ من التصرفات الخاطئة، ولذلك تجد كثيرًا من المسلمين لا يسرقون، ولا يغشون، ولا يحتكرون، ولا يكذبون في التعامل، مع قدرتهم على هذا كله؛ لخوفهم من الله -تبارك وتعالى- بل ترى النوم قد جفاهم، وملأ القلق نفوسهم إذا دخل شيء من المال في حيازتهم؛ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَعْرِفُوا حُكْمَهُ الشَّرْعِيَّ، وَلَا يَهْدَأُ لَهْمُ بَالٌ حَتَّى يَقِفُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فِيهِ، وتراهم يتخلصون منه، ويبذلونه في مصارفه الشرعية؛ إذا تبين لهم أنه لا يحل لهم.

الصفحة 51