كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة

وغناه، ولا في عمله ومهنته، ولهذا وجدنا أكابر الأمة من علمائها وفقهائها يمتهنون مختلف المهن الحرة المباحة كما وجدنا بعض الصحابة الكرام -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- يؤجرون أنفسهم لغيرهم؛ للقيام ببعض الأعمال المباحة الحلال لقاء أجرٍ معلوم.
والإسلام قد حث على إعانة الفقير، وَجَعَلَ الْمُعِينَ خَيْرًا من الْمُعَانِ مِنْ جِهَةِ نَوَالِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وفي هذا يقول -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى)) وهذا يدعو إلى العمل وإلى الكسب المباح، وإلى أن يسعى الإنسان، وأن يبذل قصارى جهده في أن يؤمن له ولمن يعول ما يحتاجون إليه، وهذا من المبادئ العامة التي أتى بها الإسلام.
المبدأ الثاني -من هذه المبادئ-: حق الملكية الفردية؛ من الأمور الْبَدَهِيَّةِ الواضحة التي يعرفها صغار المطلعين على الشريعة الإسلامية أن الإسلام أَقَرَّ لِلْأَفْرَادِ بحق الملكية الفردية، وبهذا الإقرار أمكن للفرد أن يكون مالكًا؛ قال الله -تبارك وتعالى-: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} (يس: 71) فأثبت الله تعالى هنا للناس الملك؛ لما خلقه الله -سبحانه وتعالى- وقد قال تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} (البقرة: من الآية: 279) فأثبتت هذه الآية الملك للناس، وأضافت المال إليهم إضافة ملكٍ واختصاص، وقد قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} (الأنعام: من الآية: 152) وقال: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} (الليل: 17 - 18).
فهذه الآيات الكريمات وأمثالها تضيف المال للإنسان؛ مما يدل دلالة قاطعةً واضحة على أن الإسلام يقر مبدأ الملكية الفردية، وَفِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الشَّيْءُ الْكَثِيرُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ الَّتِي تُقَرِّرُ هَذَا الْمَبْدَأَ، ومن ذلك ما قاله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((لَا يَحِلُ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبٍ مِنْ نَفْسِهِ)) وقد شرعت نظم الإسلام -أو جاءت النظم في الإسلام- قائمة على هذا

الصفحة 54