كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة

الأساس ألا وهو الإقرار بمبدأ حق الملكية الفردية، وَمِنْ ذَلِكَ الْمِيرَاثُ وَالزَّكَاةُ، وَالْمُهُورُ فِي النِّكَاحِ، والنفقات، وغير ذلك؛ إذ بدون الاعتراف بحق الملكية لا يبقى معنى للميراث، ولا يمكن تحقيق فرض الزكاة.
والدلائل الشرعية الدالة على إقرار مبدأ حق الملكية الفردية لا تفرق بين مالٍ ومال؛ فسواء كان المال المملوك منقولًا أو عقارًا؛ مأكولًا أو غير مأكول؛ حيوانًا أو نباتًا؛ وسائل إنتاج أو وسائل استهلاك، فكل هذا الاختلاف في المال -موضوع الملكية- لا يهم؛ لأن المال المضاف إلى الفرد إضافة ملكٍ واختصاص، الذي جاءت به النصوص الشرعية -وذكرنا بعضها- لم تقيد المال بصفة معينة، بل جاءت مطلقةً من كل قيد، عدا ما عُرِفَ من نصوص أخرى من حرمة تملك بعض الأشياء -كالخمر والخنزير- أو ما كان سبب ملكه حرامًا، وإن كان هو بنفسه يصلح أن يكون مملوكًا؛ كالمغصوب والمسروق ونحو ذلك.
وقد رَتَّبَ الإسلام على مبدأ حق الملكية الفردية التزامًا عامًّا على الكافَّةِ باحترامه -على الكافة أن يحترموه وأن لا يمسوه إلا بوجه حق- كما قال تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل} (البقرة: من الآية: 188) وقال تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} (النساء: 2)، وقد سبق أن ذكرت الحديث: ((لَا يَحِلُ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبٍ مِنْ نَفْسِهِ)) كما قرر الإسلام عقابًا لمن ينقض هذا الالتزام، ويتجاوز على حق الملك للغير، فهناك عقوبة السرقة وقطع الطريق وخيانة الأمانة والنهي ونحو ذلك؛ سواء أكانت هذه العقوبات عقوبات حدودٍ أم تعذير.
وَلَكِنَّ إقرار الإسلام -مع هذا- بحق الملكية الفردية -كَمَا ذَكَرْتُ وَأَشَرْتُ- لا يعني أنه حق مطلق من كل قيد، وأن موقف الإسلام منه هو موقف الحارس له فقط، فالحقيقة أن الإسلام -مع إقراره بحق الملكية وحمايته له- فَإِنَّهُ يُنَظِّمُه ويقيده بجملة قيود منذ نشأته إلى اندثاره، وبهذا يجمع الإسلام بين موقفينِ بالنسبة لحق الملكية الفردية؛ الأول: الاعتراف به والحماية له، الثاني: التقييد والتنظيم لهذا الحق، وهذا

الصفحة 55