كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة

التقييد يظهر في أمورٍ كثيرة جاءت بها الشريعة الإسلامية؛ فهناك وَضَعَ الإسلام أسبابًا شرعيةً للملكية -كالعمل والسعي أو الميراث أو ما إلى ذلك- أما أن يستولي الإنسان على المال الحرام، أو أن ينفق المال المباح الذي تَمَلَّكه في معصية الله -تبارك وتعالى- فالإسلام يمنع كل ذلك.
المبدأ الثالث -من المبادئ التي أود الحديث عنها هنا-: حق الإرث، وهو من المبادئ المقررة في الشرع الإسلامي؛ فإذا مات شخص، وترك مالًا، وورثه أقرباؤه كان -أو وجب- أن يرثه أقرباؤه على مقتضى ما جاءت به شريعة الإسلام، والإسلام قد أعطى هذه الحقوق للأقرب فالأقرب، ونال المستحقون للميراث سهامًا معينة من تركة الميت، جاء بها الإسلام، وذلك إذا تَوَفَّرَتْ شروط الميراث وأسبابه، وزالت موانعه حسب الشرع الإسلامي، وكما هو مقرر فيه.
وحق الإرث يقوم على أساسٍ من الفطرة والعدل واحترام إرادة المالك، ويدفع الإنسان إلى أن يبذل المزيد من الجهد والنشاط، وهذا النظام أيضًا يحقق ضمانًا اجتماعيًّا لأفراد الأسرة الواحدة، وَيُفَتِّتُ الثَّرَوَاتِ، ويمنع تكديسها، فهو لهذا كله مبدأ عظيم من مبادئ النظام الاقتصادي الإسلامي.
وأود أن أشير هنا -قبل أن أنتقل من هذه المبادئ- أن هذا المبدأ -ألا وهو حق الإرث- قائم على أساسٍ من العدل؛ فإن الإنسان في حياته يعيل أولاده، ويعيل من هو مكلف بِإِعَالَتِهِمْ -كأمه وأبيه وزوجته- وقد يُلْزَمُ بهذا الإنفاق إلزامًا عن طريق القضاء إذا امتنع عنه، والغالب عدم امتناعه.
فمن العدل إذًا أن تكون أمواله بعد موته لأولئك الذين كان هو السبب في وجودهم -كأولاده- أو كانوا هم السبب في وجوده -وذلك مثل أبويه- ليستعينوا جميعًا بهذه الأموال بالإنفاق منها على أنفسهم، كما كان هو في حياته ينفق منها عليهم، وهذا الحق أيضًا -ألا وهو حق الإرث- يقوم على أساس احترام إرادة المالك، وذلك أن الإنسان يرغب رغبةً أكيدة أن تكون أمواله بعد موته لأقربائه لا لغيرهم، فيجب احترام إرادته في هذا، وأن تُدْفَعَ أمواله إلى ورثته من بعده، وَقَدْ فَصَّلَ الشَّرْعُ الْإِسْلَامِيّ الحكيم هذا، وَبَيَّنَ حِصَصَ هَؤُلَاءِ الْأَقْرِبَاء من الميراث على نحوٍ دقيق عادل،

الصفحة 56