كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة

بعد ما ذكرت دور الاقتصاد الإسلامي بالنسبة للعالم الإسلامي وأهميته، أذكر هنا أيضًا أهمية -أو دور- الاقتصاد الإسلامي بالنسبة للعالم أجمع، وقد أشرت إلى أن العالم الإسلامي يتجاذبه في ذلك اتجاهان؛ الاتجاه الرأسمالي والاتجاه الاشتراكي، ولكلٍ منهما مساوئ، وقد أشرت إلى ذلك قبل قليل، وقد أوضحت فيما مضى أن للإسلام اتجاهًا خاصًّا، وأن له سياسة اقتصادية متميزة، وهي سياسة تجمع بين المصلحتين؛ الخاصة والعامة، وكلاهما لديه أصل.
فهي لا تهدر المصلحة العامة شأن النظم الاقتصادية أو الجماعية، وإنما هي منذ البداية تعتد بالمصلحتين على درجةٍ واحدة، وتحاول دومًا التوفيق بينهما، وهي سياسة تجمع بين المصلحة المادية والحياة الروحية؛ وإذا كانت السياسة الاقتصادية الإسلامية على هذا النحو توفقُ بين كافة المصالح المتعارضة بما يحقق الصالح العام، وَتُقَدِّمُ الحل العملي للمشكلة الاقتصادية، وبالتالي لمشكلة الحرب والسلام؛ فإنه لمن الخير للبشرية كلها أن تأخذ بالإسلام، وأن تعرف دوره في ذلك، وأنه هو الوحيد الذي يلبي لها احتياجاتها، وهو الوحيد الذي يسهم في الاقتصاد وفي حل مشاكل العالم الاقتصاديَّة، ومن هنا تبرز أهمية الاقتصاد الإسلامي ودوره بالنسبة للعالم أجمع.
ولذلك نحن ننادي من خلال ما جاءنا من عند الله -عز وجل- العالم كله أن يأخذوا بهذه الأنظمة والتشريعات التي جاءت من عند الله -عز وجل- إن أردوا رفعةً ونشاطًا وحيوية وعزة وكرامةً في هذه الحياة الدنيا، قبل أن يلقوا رب العزة والجلال -سبحانه وتعالى.
وأكتفي بهذا، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

2 - الإسلام عقيدة وشريعة

تعريف العقيدة، وأهميتها، والمناهج في إثباتها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين، وبعد:
ألتقي بكم -أيها المستمعون الكرام- في المحاضرة الرابعة، وهي بعنوان "الإسلام عقيدة وشريعة" وهذه المحاضرة تشتمل على عدة عناصر:
العنصر الأول: تعريف العقيدة وأهميتها والمناهج في إثباتها: ويشتمل على النقاط التالية:
أ- تعريف العقيدة لغة واصطلاحًا:
العقيدة في اللغة: مأخوذة من مادة "عَقَد"، أعني: من الفعل "عَقَدَ" وهذا الفعل مداره في اللغة على اللزوم والتأكد والاستيثاق، قال تعالى في القرآن الكريم: {لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ} (المائدة: من الآية: 89) وتعقيد الأيمان إنما يكون بقصد القلب وعزمه -بخلاف لغو اليمين التي تجري على اللسان بدون قصد- والعقود هي أوثق العهود، ومنها قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة: من الآية: 1) وهذا في الحقيقة يبرز شيئًا من مكانة العقيدة، حينما تؤخذ من هذه المادة، ألا وهو "عَقَدَ" الدالة على اللزوم والتأكد والاستيثاق، ومعنى هذا أنها عقيدة يجب أن تكون ملازمة للإنسان، مستوثقًا منها، وأن يكون قائمًا عليها، قامت في قلبه بيقينٍ واستيثاقٍ وتأكيد.
تعريف العقيدة في الاصطلاح: العقيدة في الاصطلاح: هي الأمور التي تُصَدِّقُ بِهَا النفوس، وتطمئن إليها القلوب، وتكون يقينًا عند أصحابها، لا يمازجها ريب، ولا يخالطها شك، وأصول عقائد الدين التي جاءت من عند الله -تبارك وتعالى- حددها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بقوله: ((الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى)).

الصفحة 60