كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة

والعقل الإنساني هنا يتدبر وحي الله ويفقهه، ولا يخوض في هذه القضايا بعيدًا عما أوحى الله إليه، وعلى المسلم في هذه الحال أن يتأكد من صدق نسبة النصوص إلى الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- لَأَنّ هذه النصوص -إن كانت صادقة- وجب عليه أن يترك رأيه وهواه، وَيُحَكِّمُ مَا أَوْحَاهُ اللَّهُ، وهذا المنهج يمكن أن نطلق عليه "المنهج الإيماني القرآني النبوي"، وعمدة هذا المنهج: الأخذ بنصوص الكتاب وصحيح حديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في مسائل الاعتقاد.
المنهج الثاني: منهج الفلاسفة الذين رفضوا الاحتكام إلى الشرع، وأصروا على أن يضربوا في بَيْدَاءَ شَاسِعَةٍ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا، لَقَدْ غَفَلَ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخُوضَ فِي هَذِهِ الْمَيَادِينِ بنفسه؛ لأنها قضايا غيبية، لا تدخل في نطاق قدرات العقول البشرية.
ولذلك فإن الفلاسفة كانوا أعدى أعداء الرسل، وَقَدْ تَأَثَّرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ بِهُؤَلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ، فاحتكموا إلى الموازين والمقاييس العقلية التي أخذوها من أولئك الْفَلَاسَفَةِ، وَعَارَضُوا بِهَا الشَّرْعَ، وَحَكَّمُوهَا فِي الشَّرْعِ، وردوا بها كثيرًا من الأحكام الشرعية بحجة: أن الأدلة العقلية يقينية، والأدلة الشرعية كثير منها ظنيّ الثبوت، ظني الدلالة، أو ظني الثبوت، وإن كان قطعيَّ الدلالة، أو ظني الدلالة وإن كان قطعي الثبوت.
فَرَدَّ هَؤُلَاءِ أَحَادِيثَ الْآحَادِ فِي الْعَقِيدَةِ، وَمُنْهُمْ مَنْ رَدَّهَا فِي الْعَقِيدَةِ وَالْأَحْكَامِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ بنصوص الكتاب؛ لِكَوْنِهَا ظَنِّيَّةَ الدلالة، ويمكننا أن نسمي هذا المذهب "المذهب الفلسفية الكلامي"، وهذا فريق من الناس أكثر الناس اختلافًا وتناقضًا، وَقَدْ حَذَّرَ الْعُلَمَاءُ الْجَهَابِذَةُ مِنْ مَغَبَّة السَّيْرِ فِي هَذَا الطَّرِيقِ، وَبَعْضُ سَالِكِيهِ تَرَاجَعَ عَنْه جزئيًّا أو كليًّا بعد أن عرفوا ما فيه من اعوجاج، والطريق الأول: طريق الرسل، وهو طريق سهل قصير مأمون العواقب.

الصفحة 64