كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة

الأول: أنها عقيدة غيبية، وَلَيْسَتْ أُمُورًا مَحْسُوسَةٌ؛ فالله غيب، وكذلك الملائكة، واليوم الآخر، والقدر؛ أما الرسل والكتب فالإيمان بها إنما يكون بالتصديق بنسبتها إلى الله تعالى -أي: أن الله -عز وجل- أرسل الرسل، وأنزل الكتب- فهذا غيب، وهناك قضايا هامة أُلْحِقَتْ بِمَسَائِلِ الاعْتِقَاد، وبُحِثَتْ فِي كُتُبِ الْعَقِيدَةِ لِأَهَمِّيَّتِهَا، وأمور الإيمان بصورة عامة التي جاءت من عند الله -تبارك وتعالى- كلها أمور غيبية -أعني بذلك: مسائل الإيمان وأركان الإيمان- فالله غيب، والملائكة كذلك، والأنبياء، والمرسلون، واليوم الآخر، والقدر؛ خيره وشره، كل ذلك أركان الإيمان، وهي مسائل غيبية، وهي سمة من سمات هذا الدين.
الثاني من هذه الملاحظات: أن نعرف أن مصدر هذا الغيب هو الوحي السماوي الصادق؛ فالغيب مصدره من رب العزة والجلال -سبحانه وتعالى- ونحن إذا عَلِمْنَا شيئًا من الأمور المستقبلية، أو علم الله -عز وجل- بَعْضَ أَنْبِيَائِهِ شيئًا من ذلك، فإنما هذا من الله -سبحانه وتعالى- وحده، وعلم الغيب عند الله -سبحانه وتعالى- وحده دون سواه، قال جل ذكره: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (البقرة: 1 - 3).
فالإيمان بالغيب أمارة من أمارات الإيمان، بل هي صفة من الصفات الجليلة للمؤمنين، وطالما أنهم يؤمنون بالغيب دَلَّ ذَلِكَ على أنهم لا يعلمونَهُ، ويصدقون به، وأن مصدره هو رَبُّ الْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ -سبحانه وتعالى- والإيمان بالغيب يقابله: عدم التصديق إلا بالمحسوس -كما هي نظرية الشيوعيين- وقد باء هؤلاء بالخسران لما لم يؤمنوا برب العزة والجلال سبحانه؛ لأنهم لا يشاهدونه، وهذا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ عُقُولِهِمْ وَفَسَادِ مُعْتَقَدِهِمْ.
الْمُلَاحَظَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ هَذِهِ الْمُلَاحَظَاتِ: أَنَّ مَسَائِلَ الْعَقَائِدِ يَقِينٌ، وَلَا تَصِحُّ الْعَقِيدَةُ مَعَ الشَّكِّ؛ فالشك ينافي الاعتقاد الصحيح، قال الله -عز وجل-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} (الحجرات: من الآية: 15) وهذا في الحقيقة مدح لهذا الإيمان، مدح لهم؛ لأنهم

الصفحة 66