كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة

آمنوا دون ارتياب، آمنوا بيقين واعتقادٍ سليم، بخلاف حال الذين ذَمَّهُمُ اللَّهُ لِرَيْبِهِمْ وَشَكِّهِمْ، فقال عنهم: {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}.
الملاحظة الرابعة: العقيدة في الإسلام وحدة متشابكة مترابطة؛ إذا هُدِمَ أصل من أصولها خرج صاحبها من دائرة الإسلام، فالذي يكفر باليوم الآخر أو الجنة أو النار، أو يُكَذِّبُ الرسلَ أو واحدًا منهم، أو يكذب بالملائكة أو بواحدٍ منهم، أو بشيء مما أخبر الله -عز وجل- به فهو كافر، وإن آمن بغيره، قال تعالى: -في الذين يكفرون ببعض أصول الاعتقاد-: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا} (النساء: 150 - 151).
وقد ذَمَّ اللَّهُ أَهْلَ الْكِتَابِ لِكُفْرِهِمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ وَمُصْطَفَاهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَفِي هَذَا يَقُولُ -جَلَّ ذكره-: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمَْ} (البقرة: من الآية: 91).
ومن هنا يظهر لنا خطأ إطلاق اسم الإيمان على الذين يؤمنون بوجود الله من الكفار، ولو لم يعبدوه ويوحدوه، ولو لم يؤمنوا بملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر؛ فالإيمان بوجود الله وحده لا يكفي، ولا يُطْلَقُ على العبد هذا الاسم إلا إذا أتى بجميع أركان الإيمان؛ فَإِذَا تَرَكَ بَعْضَهَا أَوْ أَنْكَرَ وَاحِدًا مِنْهَا فَقَدْ هَدَمَ بِذَلِكَ إِيمَانَهُ؛ لَأَنَّ الْأَمْرَ -كَمَا ذَكَرْتَ- بأن الإيمان وحدة متشابكة مترابطة.
الملاحظة الخامسة: الاعتقاد الجازم لا يكفي وحده، وانتبه -أيها المستمع الكريم- لهذه الملاحظة الدقيقة، الاعتقاد الجازم لا يكفي وحده، وذلك لأن فرعون جزم بأن الآيات التي جاء بها موسى من عند الله -عز وجل- هي من الله -تبارك وتعالى- ولقد ذكر الله ذلك عنه وعن قومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (النمل: من الآية: 14).

الصفحة 67