كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة
وقد بلغ اليسر في الشريعة إلى درجة التخفيف من الواجبات عند وجود الحرج، والسماح بتناول القدر الضروري من الْمُحَرَّمَاتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ فَالَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ اسْتِعْمَالُ الْمَالِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ، كَمَا قال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (المائدة: من الآية: 6) والمريض والمسافر يباح لهما الفطر: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة: من الآية: 184) وقال -في حق الذي لا يجد قوتًا حلالًا-: {فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} (البقرة: من الآية: 173).
وقال الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- للمريض لما شكا له مرضه وعدم قدرته على القيام: ((صلِّ قائمًا؛ فإن لم تستطع فقاعدًا؛ فإن لم تستطع فعلى جنبك)) وَكَانَ مِنْ مَعَالِمِ الْيُسْرِ فِي هَذَا الدِّينِ الْمُبَارَكِ أَنْ أَبَاحَ اللَّهُ لَنَا الطَّيِّبَاتِ، وَلَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْنَا طعامًا ولا شرابًا إلا إذا كان خبيثًا، وإباحة الطيبات كلها هو مقتضى رفع الله تلك الآصار التي حملتها تلك الأمم من قبلنا؛ فقد وضع الله على الذين هادوا آصارًا وأغلالًا بسبب تمردهم على ربهم، كما قال -جل ذكره-: {فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} (النساء: 160 - 161).
وقال سبحانه: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} (الأنعام: 146) ولكن هذه الشريعة جاءت برفع ذلك كله، وأتت باليسر ورفع الحرج؛ لقد جاء النبي الأمي -صلى الله عليه وآله وسلم- كما أخبر الله في الكتب السابقة، وفي القرآن الكريم، جاء؛ ليرفع عن البشرية الآصار والأغلال التي حملتها عبر الأمم أو عبر القرون السابقة، قال سبحانه: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (الأعراف: من الآية: 157).
الصفحة 70
522