كتاب أصول الدعوة وطرقها 4 - جامعة المدينة

ونصوصها- أن مقصد الشريعة الإسلامية تحقيق مصالح العباد على الوجه الأكمل؛ يقول ابن تيمية -رحمه الله تبارك وتعالى-: إن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها. ويقول العز بن عبد السلام: والشريعة كلها مصالح؛ إما تدرأ مفاسد، أو تجلب مصالح.
وقد عالج الإسلام صلاح الإنسان بصلاح أفراده الذين هم أجزاء نوعه، وبصلاح مجموعه -وهم النوع كله- فابتدأ الدعوة إلى إصلاح الاعتقاد الذي هو إصلاح مبدأ التفكير الإنساني الذي يسوقه إلى التفكير الحق في أحوال هذا العالم، ثم عالج الإنسان بتزكية نفسه وتصفية باطنه؛ لأن الباطن محرك الإنسان إلى الأعمال الصالحة، كما ورد في الحديث: ((ألا وإن في الجسد مضغة؛ إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)).
وقد عالج بعد ذلك إصلاح العمل، وذلك بالتشريعات التي أَنْزَلَهَا، فَتَشْرِيعُ رَبِّ الْعَالَمِينَ رَاعَى -بلا شكٍ- مصالح العباد، والعقيدة الإسلامية والتشريعات الربانية التي جاءت من عند الله -تبارك وتعالى- كلها لمصلحة الإنسان، فهي جاءت؛ كي ترفع بالإنسان، وترتفع به إلى مصاف الكرم والشرف والمنعة والغلبة -كما ذكرت- ثم بعد ذلك يكون مآله إلى جناتٍ ونهر.
الأساس الرابع: التَّدَرُّجُ فِي التَّشْرِيعِ حين تَنَزُّلِ التشريع، والتدرج في التشريع نوعان:
الأول: التدرج في تشريع جملة الأحكام، بمعنى: أنها لم تُشْرَعْ كلها مرةً واحدة، وإنما شُرِعَتْ شيئًا فشيئًا؛ ففي ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة فُرِضَتِ الصلاة، وفي السنة الأولى من الهجرة شُرِعَ الأَذَانُ والقتال، كما شرعت أحكام من النكاح -كالصداق والوليمة- وفي السنة الثانية شرع الصوم وصلاة العيدين

الصفحة 74