كتاب قوت المغتذي على جامع الترمذي (اسم الجزء: المقدمة)

كانت مصر، وبغداد، ودمشق تزخر بالقراء والعلماء والمحدثين، وكانت مكاتب التعليم في كل صقع من هذه الأصقاع، بل زاد الأمر قوة عندما أصبح المماليك مولعين بحب اللغة، بل وصل الأمر بهم إلى الخوض والنظر في تراكيب اللغة والشعر، لذا كان البعض منهم من أوائل المتقنين لهذه الفنون (¬1) ، ولقد كان المماليك يفخرون بأنهم حكام العرب، كما أنَّ اعتناقهم للإسلام وتوقيرهم للخلفاء، واعتبارهم أنَّ اللغة العربية لغة الإسلام والقرآن جعلهم يهتمون بالعلوم الشرعية، كانت هذه الأسباب التي أدت إلى ازدهار الناحية العلمية، وتشجيع العلم ومدارسته وتوقير العلماء والقضاة، ولعلَّ أهم وأبرز أسباب ازدهار الناحية العلمية تتلخص فيما يلي:
1- حب الأمراء والسلاطين للعلم والعلماء، والاشتغال بهذا الجانب والتشجيع على التصنيف والتأليف.
2- نقل المماليك دار الخلافة إلى مصر، جعل مصر حاملة لواء الثقافة الإسلامية.
3- الاستقرار وعدم وجود الفتن والحروب والقلاقل التي تشغل عن الاهتمام بهذا الجانب.
4- كثرة الأوقاف التي وقفها المسلمون على طلبة العلم، مما جعل الجامع الأزهر محطًّا لكثير من العلماء وطلبة العلم.
5- كثرة المدارس ووفرة المكتبات العامة والمعاهد حتى ذكر أنه يصعب حصرها، بل كانت لكل مدرسة مرافق تدل على الاهتمام بها، فالمدرسة يكون بها مسجد ومكتبة، ومساكن لطلبة العلم، وإعاشة للطلبة.
6- حضور السلاطين مجالس الحديث والعلم والاهتمام بها.
¬_________
(¬1) بدائع الزهور، ابن إياس (2/90) .

الصفحة 16