كتاب الخطابة - جامعة المدينة

علاج الرياء في نظر الإسلام يكون في وسيلتين هامتين أساسيتين:
الأولى: في اقتلاع جذوره من النفوس.
والثانية: في دفع ما يخطر له في الحال.
أما في اقتلاع جذوره من النفوس فاعلم -أخي الداعية- أن أصل الرياء -كما ألمحنا- هو حب لذة الحمد، والفرار من الذم، ومراضاة الناس، ويَشهد لذلك ما في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أنه قال: ((جاء رجلٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أرأيتَ الرجل يقاتل شجاعةً، ويقاتل حميةً، ويُقاتل رياءً؛ فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)).
فمعنى قول الرجل: "يقاتل شجاعة" أي: ليُذكر ويُحمد، ومعنى قوله: "يُقاتل حمية" أي: يأنف أن يُقْهَر ويُذَمّ، ومعنى قوله: "يُقاتل رياء" أي: ليُرى مَكانه، وهذا معناه حب الجاه والمنزلة ولذة الحمد، والفرار من الذنب ومراضاة الناس.
وقد لا يشتهي الإنسان الحمد، ولكنه يحذر من الذم، كالجبان بين الشجعان؛ فإنه يثبت ولا يفر لئلا يُذَمّ، أو المتعالم الذي يفتي الناس بغير علم؛ خوفًا من الذم والاتهام بالجهل؛ فهذه الأمور هي التي تُحرك إلى المراءاة وتدفع إلى المصانعة.
ومعالجة الرياء تكون في اتباع الخطوات التالية:
أولًا: تعميق مراقبة الله -عز وجل- في نفسية الداعية:
وذلك أن يضع الداعية في تصوره قول الله -تبارك وتعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} (الشعراء: 217 - 219)،

الصفحة 320