كتاب الخطابة - جامعة المدينة

يراك حين تقوم في الصلاة، ويراك وأنت تتقلب بين الساجدين، وليضع كذلك قول النبي -عليه الصلاة والسلام- حين سئل عن الإحسان قال: ((أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).
وكيفية المُراقبة: أن يُراقب الداعية نفسه قبل البدء بالعمل، وفي أثنائه، هل كان تحركه لتبليغ دعوة الله من أجل حظوظ النفس، وابتغاء الثناء والذكر؟ أم كان المحرك مرضاة اللهِ -عَزّ وجل- وابتغاء ثوابه؟ فإذا كان لله -عز وجل- مشَى في العمل وأمضاه، وإن كان بقصد المراءاة أحجم عنه وحرر نيته، وعقَد العزم على أنه يستأنف عمله فيما بعد على أفضل ما يكون من التجرد والإخلاص، وابتغاء رضوان الله وإسلام الوجه لرب العالمين.
ثانيًا: أن يتصور دائمًا مآل المُرائين ومصيرهم:
فحين يتصوّر الداعية أن الرياء مضر له في الحال وفي المآل، وأنه خطر عليه في دينه ودنياه، وأنه مُحبط في عمله وكده ومسعاه، يَسْهُل عليه اجتنابه والتحرر منه، يقطع عنه الميل إليه والرغبة فيه، كمن يتصور أن العسل لو وُضِعَ أمامه فيه سم قاتل، كيف يفعل؟ لا شك أنه يعرض عنه، وينفر منه؛ تحسبًا من الخطر، وتوقيًا من الهلاك.
وهل يَغيبُ عن ذهن الداعية ما يفعله الرياء، وما يتعرض له المُرائي في الآخرة من العذاب والمقت، والخِزي والفضيحة، وما يُفَوّتُه على نفسه من صلاح النفس، وإرضاء الرّب، وإشْرَاقَة الرُّوح والفوز بالجنة، والنجاة من النار، هذا مع ما يتعرض له في الدنيا من زيادة في الهم، واستشراف للنفس، ونصب في المراءاة، وحرص على الدنيا، وتطلع إلى الذكر والجاه؟!

الصفحة 321