كتاب الخطابة - جامعة المدينة

معلوم جهرًا لا سرًّا، ويُمَارِسُها علنًا لا خفيةً، وأحيانًا يأتي الشيطان ويتلبس الداعية ليصرفه بوسوسته عن القيام بمسؤولياته في تبليغ الدعوة، وأداء رسالة الإسلام؛ بِحُجّة أنه معرَّض فيما يدعو إلى خطرات الرياء، واستشراف شهوة الحمد والثناء في جميع لقاءاته واجتماعاته، وخطبه ومحاضراته، وحله وترحاله.
وهنا نقول: إذا قعد الدعاة عن مسؤولية الدعوة، وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفريضة العمل لعزة الإسلام، بهذه الحُجّة الواهية، بأنهم معرضون لآفات الرياء، واستشراف الحمد والثناء؛ مَن يبقى ليجمع الناس على الخير، ومَن يتَصَدّى لتحديات الأعداء، ومن يجاهد بلسانه ونفسه لإعزاز دين الله؟ حتمًا لا يبقى أحد؛ لأنّ كُلّ داعية معرض بحكم أنه بشر لخطرات النفس الأمارة، ووساوس الشيطان الآثمة، وحتمًا أنّ كُلّ مَن يتصدَّى للعمل الإسلامي، قد يقوى حينًا، ويَضْعُف أحيانًا.
وهذه الظاهرة من الخطرات هي من طبيعة البشر؛ فما دام الداعية من البشر فهو ليس مَلَكًا مبرءًا ولا نبيًّا معصومًا، بل هو معرض للخطأ، ومحتمل منه الوقوع في المعصية، ولكن حين يقع في الخطأ ويتعرض للمعصية، ينبغي عليه أن يُبادر التوبة الصادقة النصوح؛ ليَخْرُج من ذنوبه كما ولدته أمه، وصدَق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: ((كل بني آدم خطاء، وخيرُ الخطائين التوابون)).
فامضِ أيها الداعية على بركة الله، في تبليغ دعوة الله والعمل لدينه؛ ولا يقعدنك عن أداء مسؤوليتك خطرات النفس، وشهوة الحمد، ووساوس الشيطان، ولكن عليك أن تُحَرّر النية قبل البدء بالعمل، وتراقب المولى سبحانه في أثنائه، ثم بعد أن تفرغ من عملك تكون لك خلوات بينك وبين الله، ففي هذه الخلوات تتأمل

الصفحة 324