كتاب الخطابة - جامعة المدينة
إلى غير ذلك من هذه المداخل الشيطانية التي تدخل على نفوس الدعاة، وتجعل منهم أناسًا يغترون بمواهبهم ويعجبون بأنفسهم.
نعم؛ يقع الداعية في العجب إذا استعظم ذلك كله، ونسبه إلى نفسه، ونسي أن المنعم المتفضل هو الله -عز وجل-.
إن الله -سبحانه وتعالى- حين كلف النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقيام بالدعوة في قومه، نهاه من أول لحظة عن العُجب الذي يفضي به إلى استكثار عمله، والمنّ به على ربه، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} (المدثر: 1 - 6). إنّك ستُقدم لهذه الدعوة الكثير من جهدك والكثير من وقتك والكثير من مالك، ستُقدم للدعوة الكثير؛ فإيّاك أن تستكثره وتعجب به، وتَمُنّ به على ربك -سبحانه وتعالى-.
فقد يَقع الداعية العجب إذا استعظم ما يقدمه للدعوة، وينسَى أن الله -سبحانه وتعالى- هو الذي تفضل عليه، واستخدمه للدعوة، ووفقه فيها وأعانه عليها، أما إذا كان الداعية مرتاحًا لما كلفه الله به من أعباء ومسؤوليات، وراضيًا بما أوجبه عليه من تبليغ الدعوة، وحمل رسالة الإسلام، ونسب كل ما حققه في المجتمع من أثر وتأثير وإصلاح وتغيير، وكل ما وهبه الله إياه من سداد الرأي، وسعة العلم وطلاقة اللسان وقوة الحُجة، ومظهر إكرام، نسب ذلك كله إلى رب العزة والجلال، فهذا كله ليس من العجب في شيء، ولو وجد في نفسه نشوة وغبطة وسرور.
ولكن ما هو علاج العجب في الدعاة؟
الجواب على ضوء ما ذكرنا من تعريف العجب ومن مداخله على نفوس الدعاة: على الداعية إذا أحسّ من نفسه أنه إذا اعتراه شيء من العجب، فليسارع إلى معالجته، واستئصال شأفته من نفسه؛ خشيةَ أن يقع فيما هو أدهى وأمر، ألَاَ وهو زهو الكبر، وغطرسة الخيلاء.
الصفحة 328
343