كتاب الخطابة - جامعة المدينة

حتى يبلغ في نفسه إذا وجدت آثارها في تصرفاته مع الغير؛ فإنه يُسمى حينئذٍ متكبرًا، فالكبر إذًا حالة نفسية، والتَّكَبُّر أثر لهذه الحالة النفسية.
وقد جاء ذم الكبر في الكتاب والسنة: قال الله -تبارك وتعالى-: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص: 83)، وقال تعالى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} (غافر: 35)، وفي الحديث قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يَدْخُل الجنةَ مَن كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاثة لا يُكَلّمُهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، ومَلِك كذاب، وعائل مُستكبر)) أي: فقير مستكبر.
ولكن ما علاج الكِبر في الدعاة إذا ابتلوا به؟
على ضوء ما ذكرنا من تعريف الكِبر ومن ذمه الفاضح في القرآن والسُّنة؛ نقول: إنّ من وسائل معالجة الكبر: أن يقطع الداعية لنفسه مزالق الكبر التي تفضي إليه، فإن كان من مزالقه الاغترار بالعلم والفصاحة واللقب العلمي، فليعلم أن الله سبحانه قادر على أن يسلبه هذه النعم، من مواهب الفصاحة وقوة العلم والثقافة، وإن من حق الله عليه أن يكون شاكرًا للنعمة غيرَ جاحد؛ فقد قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (إبراهيم: 7).
وعلى الداعية: أنْ يُدرك حقيقة نفسه من بدء حياته إلى يوم موته، فلو فكر في ذلك تفكيرًا مستنيرًا، ما وجد ذلك سببًا لكبريائه وخُيلائه، وعجبه واغتراره، واستعلائه وفخره.
وعلى الداعية أن ينظر إلى ما تكبر به، فإن كان السبب العلم فليعلم أن فيه جهلًا يساوي أضعاف أضعاف علمه بملايين المرات، فقد قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (الإسراء: 85)، وقال {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (يوسف: 76)، وإن كان سببه الفصاحة فليعلم أن في

الصفحة 337