كتاب منتقى الألفاظ بتقريب علوم الحديث للحفاظ

كتفسير، أو الإخبار عن الأمور الماضية، أو صفة الجنة والنار، أو الإخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص، أو الحكم على فعل من الأفعال بأنه طاعة أو معصية لله أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو فعل عبادة لم ترد بها السنة (١).
وهذا عند المتأخرين، وهي دعوى عريضة لا برهان عليها، فلا يكاد يمر حديث من قبيل ما تقدم، إلا زعموا أنه في حكم المرفوع، فَيُقَوَّلُ الصحابة - رضي الله عنهم - ما لم يقولوه، وإذا كان الصحابي لم ينسب ما يقوله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يُدَّعَى عليه ذلك في آخر الزمان؟ .
ولا أعلم عند المتقدمين موقوفًا قالوا بأن له حكم الرفع.
وقد سمع الصحابة - رضي الله عنهم - أخبارًا كثيرة من أهل الكتاب في أمور شتى، وحدثوا بها عنهم، ويعسر تمييز ما أخذوه عن أهل الكتاب أو أخذوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أصلًا، وقد يجتهد الصحابي في المسألة، أو يستنبط حكمًا، أو ينزع حكمة من آية، وقد يتكلمون في أمور الثواب والعقاب من قبيل التمثيل (٢).
ثم هو أمر لا ينضبط بضابط، ولا يستقيم على قاعدة واحدة عند الجميع، والأنظار فيه مُتَفَاوتة فما يراه البعض له حكم الرفع، لا يراه غيره، فمثل هذا يبقى أمرًا مظنونًا، لا يمكن القطع به.
ولطالما أعلَّ الحفاظ المتقدمون كثيرًا من الأحاديث المرفوعة بالوقف، فلو كان الموقوف له حكم الرفع لما رجحوا الموقوف عند التعارض مع المرفوع، فإن له حكمه في كل الأحوال.
الثاني: قول الصحابي: "أمرنا" أو "نُهينا".
كحديث: شُعْبَة، عَنْ أبِي يَعْفُورٍ، سَمِعَ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ، يَقُولُ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ سَعْدٍ فَلَمَّا رَكَعْتُ طَبَّقْتُ يَدَيَّ وَجَعَلتُهُمَا بَيْنَ رُكْبَتِيَّ، فَقَالَ لِي أبِي: "قَدْ كُنَّا نَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى نُهِينَا عَنْهُ وَأُمِرْنَا أنْ نَضَعَ أيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ" أخرجه الطيالسي، وعبد الرزاق، والحميدي، وأحمد، والدارمي، والبخاري، ومسلم، وابن ماجه، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
---------------
(١) كما أدى علي رضي الله عنه صلاة الكسوف، أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" وهو أثر لا يصح.
(٢) وانظر ما اعترض به الشيخ أسعد سالم تيم في رسالته - الماتعة - بيان أوهام الألباني رحمه الله (٤٦ - ٤٧).

الصفحة 128