كتاب منتقى الألفاظ بتقريب علوم الحديث للحفاظ

فمثلًا:
حديث يرويه بعض أصحاب الزهري عن الزهري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويرويه بعض أصحاب الزهري، عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فالمتقدمون ينظرون، إلى الرواة عن الزهري من حيث كثرتهم، ومن حيث تقديمهم في الحفظ، ومن حيث تقديمهم في ملازمة الزهري، ومن حيث قربهم من الزهري. ثم يرجحون.
وقد يصححون كلا الإسنادين فيقولون: إن الزهري كان مرة ينشط فيرويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومرة يكون في حال مذاكرة أو فتيا، فيرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة لا يذكر أبا هريرة في السند.
أما المتأخرون، فلا يعتبرون هذا كله، فإذا كان كلا المُخْتَلِفَينِ في الزهري ثقات، قالوا: المتصل زيادة ثقة، وهي مقبولة.
فلا يلتفتون إلى منزلة الرواة عن الزهري، من هو الأحفظ! من هو الأوثق! من هو الأكثر ملازمة! من هو بلدي الزهري! . وغالبهم يعتبر المرسل صحيحًا كذلك، لكنه لا يؤثر في المتصل.
قال البقاعي: إن ابن الصلاح خلط هنا طريقة المحدِّثين بطريقة الأصوليين، فإن للحذاق من المحدثين في هذه المسألة نظرًا آخر لم يحكه، وهو الذي لا ينبغي أن يعدل عنه: وذلك أنهم لا يحكمون بحكم مطرد، وإنما يدورون في ذلك مع القرائن. انظر "النكت الوفية بما في شرح الألفية" (ص ٩٩).
ومن الأمثلة على صنيع المتأخرين في هذا:
حديث معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنَّ غيلان أسلم وعنده عشرة نسوة".
وهذا حديث معل بالإرسال.
فإن معمرًا حدَّث به في اليمن فأرسله، ولما حدَّث به بالبصرة أخطأ فيه فوصله.
وحديث معمر باليمن أصح من حديثه بالبصرة.

الصفحة 460