كتاب منتقى الألفاظ بتقريب علوم الحديث للحفاظ

وقال ابن الجوزي: رأيت بضاعة أكثر الفقهاء في الحديث مزجاة، يعول أكثرهم على أحاديث لا تصح، ويعرض عن الصحاح، ويقلد بعضهم بعضًا فيما ينقل. "التحقيق في أحاديث الخلاف" (١/ ٢٢).
وبالجملة فهذا باب عريض يتسع الولوج فيه، وإنما ذكرت نُتَفًا مما يتعلق به، لئلا يطول المبحث.

٣ - إِغْفَالُ اعْتِبار التَّفرُّد:
قال ابن رجب: وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد، وإن لم يرو الثقات خلافه أنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه، واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضًا، ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه.
وذكر أن هذه الأقوال كلها لا تعرف عن أئمة الحديث المتقدمين. انظر "شرح العلل" (٢/ ٢٦).
كحديث: عبد الرحمن بن بُدَيل بن ميسرة العقيلي قال: حدثني أبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ للهِ عَزَّ وجَلَّ أهْلِينَ مِنَ النَّاسِ، وإِنَّ أهْلَ القُرْآنِ؛ أهْلُ الله وخَاصَّتُهُ" أخرجه الطيالسي، وأحمد، والدارمي، وابن ماجه، والنسائي في "الكبرى".
وعبد الرحمن بن بديل بن ميسرة لا بأس به، وهو مقِلّ، تتبعته فما رأيت له في كتب السنة غير ثلاثة أحاديث.
ومثله لا يحتمل تفرده، لقلة حديثه، ولكثرة الرواة عن أبيه ممن عرف بحمل الأخبار، والاعتناء بها، خصوصًا واحتمال خطأ عبد الرحمن وارد، ولو كان عبد الرحمن بن بديل مكثرًا وثقة لقلنا: إن مثله يمكن تفرده، خصوصًا وهو من أهل بيت بديل بن ميسرة.
وتابع عبدَ الرحمن بن بديلٍ، الحسنُ بن أبي جعفر عن بديل به. أخرجه الدارمي.
والحسن بن أبي جعفر منكر الحديث.
قلت: فمن كان حاله مثل (الحسن بن أبي جعفر) لا يعتبر به.
وله طريق أخرى:

الصفحة 462