كتاب منتقى الألفاظ بتقريب علوم الحديث للحفاظ

معروفة عندهم، وقد أشار أحمد إلى متابعة حفص لعيسى، فقال: ورواه أيضًا حفص بن غياث،
عن هشام مثله، فكيف يقال: غير محفوظة؟ ! . انظر "سنن أبي داود" (٢٣٨٠).
ثم إنهم لا يقولون غير محفوظ لمجرد التفرد، بل يقولونها إذا لم تثبت الرواية من وجه ولو تعددت طرقها، بل هذا هو الغالب عندهم، وإنما ظن الألباني وغيره أن مراد البخاري من قوله غير محفوظ هو التفرد؛ لأنه حمله على معنى الشاذ عنده.
ولهذا ترى الترمذي والبزار والطبراني وأبا نُعَيم الأصبهاني، كثيرًا ما يقولون: (لم يروه عن فلان إلا فلان، تفرد به فلان).
يريدون نكارة السند أصلًا.
قال ابن حجر: فمتى وجدنا حديثًا قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله، فالأولى اتباعه في ذلك، كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه. انظر "النكت" (٢/ ٧١١).
هذا وثمة أمر في غاية الأهمية، فلا يفوتنك أن المتقدمين أصح اعتقادًا، وألزم للسنة، وأسلم من تلوثات علوم المتكلمة، وقد يستهين البعض بهذا، ولا ريب أن من سلم اعتقاده، ولزم السنة، وطهر الله قلبه من البدعة، وأعرض عن جهالات المتكلمة، كان أقرب إلى الله، وهو أولى أن يكون موفقًا مهديًا.
ولا يعني هذا أنه ليس ثمة اختلاف بين المتقدمين، فهم مع اتحاد الأصول العامة عندهم بالجملة، قد يقع الاختلاف بينهم في بعض التطبيقات الجزئية، بل إن بعض المتأخرين تبعوا بعض المتقدمين في بعض المسائل، كالاكتفاء بالمعاصرة مع إمكان اللقاء في العنعنة، والمعضل، وغيرها.
فأما إذا اختلف المتقدمون، فإن كان المرء مؤهلًا لأن يقارن ويرجح، فالواجب أن يأخذ بما ترجح عنده من أقوالهم، ولا أرى له الخروج عن أقوالهم؛ لأن الأمر قد اجتمع عندهم، وإن كان غير مؤهل فيقلد من يرى أنه أعلم بهذا الشأن.
ولعلَّ السبب المانعَ منكري هذا التفريق - بين المتقدمين والمتأخرين - من قبوله، هو أن في هذا التفريق، تعب جديد بإعادة النظر في كتب المتقدمين، وهدم لكثير مما قرروه من تصحيح وتضعيف، وصرف عن تقليد من اعتمدوا تصحيحه أو تضعيفه ممن هو عند متعصبتهم لا يخطئ.

الصفحة 475