كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (اسم الجزء: 1)

[أَصْحَابُ الْحَدِيثِ أَوْلَى النَّاسِ بِالِاتِّبَاعِ]
فَلَمْ نَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَآثَارِ صَحَابَتِهِ إِلَّا الْحَثَّ عَلَى الِاتِّبَاعِ، وَذَمَّ التَّكَلُّفِ وَالِاخْتِرَاعِ، فَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الْآثَارِ كَانَ مِنَ الْمُتَّبِعِينَ، وَكَانَ أَوْلَاهُمْ بِهَذَا الِاسْمِ، وَأَحَقَّهُمْ بِهَذَا الْوَسْمِ، وَأَخَصَّهُمْ بِهَذَا الرَّسْمِ ((أَصْحَابُ الْحَدِيثِ)) ؛ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاتِّبَاعِهِمْ لِقَوْلِهِ، وَطُولِ مُلَازَمَتِهِمْ لَهُ، وَتَحَمُّلِهِمْ عِلْمَهُ، وَحِفْظِهِمْ أَنْفَاسَهُ وَأَفْعَالَهُ، فَأَخَذُوا الْإِسْلَامَ عَنْهُ مُبَاشَرَةً، وَشَرَايِعَهُ مُشَاهَدَةً، وَأَحْكَامَهُ مُعَايَنَةً، مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَلَا سَفِيرٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ وَاصِلَةٍ. فَجَاوَلُوهَا عِيَانًا، وَحَفِظُوا عَنْهُ شِفَاهًا، وَتَلَقَّنُوهُ مِنْ فِيهِ رَطْبًا، وَتَلَقَّنُوهُ مِنْ لِسَانِهِ عَذْبًا، وَاعْتَقَدُوا جَمِيعَ ذَلِكَ حَقًّا، وَأَخْلَصُوا بِذَلِكَ مِنْ قُلُوبِهِمْ يَقِينًا، فَهَذَا دِينٌ أُخِذَ أَوَّلُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشَافَهَةً، لَمْ يَشُبْهُ لَبْسٌ وَلَا شُبْهَةٌ، ثُمَّ نَقَلَهَا الْعُدُولُ عَنِ الْعُدُولِ مِنْ غَيْرِ تَجَامُلٍ وَلَا مَيْلٍ، ثُمَّ الْكَافَّةُ عَنِ الْكَافَّةِ، وَالصَّافَّةُ عَنِ الصَّافَّةِ، وَالْجَمَاعَةُ عَنِ الْجَمَاعَةِ، أَخْذَ كَفٍّ بِكَفٍّ، وَتَمَسُّكَ خَلَفٍ بِسَلَفٍ، كَالْحُرُوفِ يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيَتَّسِقُ أُخْرَاهَا عَلَى أُولَاهَا رَصْفًا وَنَظْمًا.

الصفحة 23