كتاب الوجوه والنظائر لأبي هلال العسكري - معتزلي

وثانيهما: كثرة الأيمان، وهو ضرب من الجرأة على اللَّه، وابتذال لاسمه في كل حق وباطل، وتقول: هذا الشيء عرضتي، إذا كنت لا تزال معرض له، وهو عرضة للناس، إذا كانوا لا يزالون يقعون فيه، والناقة عرضة أسفار؛ إذا كان صاحبها لا يزال يسافر عليها، وقال حسان:
هُمُ الأنظَارُ عُرضَتهُا اللقاءُ
وقال الله في الممتحنة: (أنْ تَبَرُّوهُم).
الثاني: بمعنى الطاعة؛ قال الله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) أي: على طاعة الله، ومثله: (وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى) أي: بالطاعة دون المعصية، وقال: (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ) أي: مطيعا لها، وقال: (كِرَامٍ بَرَرَةٍ)، أي: مطيعون، وقال: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ) أي: المطيعين، كذا جاء في التفسير، وهو وجه، ولو جعلت ذلك بمعنى الصلة واللطف.
الثالث: بمعنى الثواب، قال الله: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) يعني: الثواب.
الرابع: التقوى، قال: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) يعني: التقوى، وأراد توكيد ما احتج به على سفهاء أهل الكتاب في إنكارهم على المسلمين توجههم إلى الكعبة بعد توجههم إلى بيت المقدس، فقال: ليس البر كله في التوجه إلى االمشرق والمغرب في الصلاة: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ) أي: البر بر من آمن باللَّه، وهو التقوى، هكذا جاء في التفسير.
وليس ببعيد أن يكون البر هاهنا بمعنى الطاعة، ويسمى الطاعة برا في قولهم: هذا، من أعمال البر، أي: مما يطاع الله به، وحذف البر الثاني لبيان المعنى، كما قال الشاعر:
وَكَيفَ تُخالِلُ مَن أصبَحَتْ ... خِلالَتُه كأبِي مرجب
أي كخلال أبي مرجب.

الصفحة 132