كتاب الوجوه والنظائر لأبي هلال العسكري - معتزلي
الاشتراء
أصل الشراء من الإمالة ومنه الشرى وهو الناحية، فقولهم: اشتريت الشيء. كأنك جعلته في شراءك، أي: ناحيتك، كما تقول: احتقبته إذا جعلته في حقيبتك، وهو من الأضداد، اشتريته إذا أخذته بثمن واشتريته إذا بعته، وكذلك شريته إنما سمي المشتري والبائع باسم واحد؛ لأن كل واحد منهما يأخذ شيئا ويعطي شيئا فلتماثلهما من هذا الوجه اشتركا في الاسم الواحد، ويجوز أن يكون من قولك: شريت به. إذا لمحت به، ومنه يقال: شرى البرق إذا كثر لمعانه كأنَّه لهج بذلك.
وهو في القرآن على ثلاثة أوجه:
الأول: الاختيار، قال: (اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى) أي: اختاروا الكفر على الإيمان، ومنه: (وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا) أي: اختاروا على الإيمان ما نالوه من حطام الدنيا، وسماه قَلِيلًا؛ لأن كل شيء من الدنيا قليل لانقطاعه.
وقال: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ). يعني: يختار باطل الحديث على القرآن.
وعلى هذا التقدير يصح هنا التأويل؛ لأن الأختيار: إيثار الشيء على غيره وهو ضرب من الإرادة واقع على هذا الوجه، وإذا لم يقع كذلك لم يسم اختيارا.
الصفحة 80
532