كتاب آداب الحسبة

يخاف فواتها كمن خلا برجل ليقتله أو بامرأة ليزني بها فله أن يتجسس على ذلك ويهجم عليه قبل أن يقع ويفوت الأمر فيه.
ومن صفاته أيضا أن يكون يستعمل اللين من غير ضعف والشدة من غير عنف حتى لا ترتجي لكثرة تيقظه غفلة ولا تؤمن على ذي منكر سطوته في أدب الجاني أول مرة بالتوبيخ والزجر وفي الثانية بالسجن والوعيد وفي الثالثة بالضرب والشهرة، فإن استمر على غوائه وسوء أفعاله تابعه بالتنكيل وجعل أهم أموره تفقده لسقوط الثقة به حتى يتوب أو يرتفع عن سوق المسلمين.
ويقدم من ثقات أهل الأسواق ووجوه أرباب الصنائع من تعرف ثقته، وينفع المسلمين نصحه ومعرفته، يستظهر بهم عل سائرهم، ويطلعونه على خفي أسرارهم وخبيث سرائرهم، حتى لا يختفي من أمورهم كثير ولا قليل، ولا يستتر من شأنهم دقيق ولا جليل فيزول مكرهم، ويرتفع على المسلمين غشهم وضرهم، ويتفقد مع الأحيان أحوال رجاله ولا يعين أحدا منهم لشغل معين كوزن الخبز على الخبازين وغيره فإنه إن فعل ذلك تقدم إلى ذلك الرجل بالرشوة وذلك عليه في الوزن، ولا يعلم رجاله أبدا خروجه لأمر معين من أمور الحسبة فإنهم إن علموا ذلك تقدم واحد منهم أو قدموا غيرهم إلى أرباب ذلك الأمر الذي يخرج فيه ويشعرهم بقصده فيغيب صاحب الدلسة وفاعل الريبة أو يغيب عين الشيء الفاسد فلا تمكن إقامة الحجة عليه، وربما إذا وجد بعد ذلك يزعم أن ذلك الشيء الفاسد لم يكن له وإنما جعل بموضعه عند تغييبه عنه ويخفق سعي المحتسب في ذلك، وكذلك إذا عثر على خبز ناقص الوزن أو لطيف الصعنة أو قليل الطبخ أو شيء فاسد بدلسة أو غيرها من أوجه الفاسد، ويأمر بالخبز أن يكسر والشيء الفاسد أن يهراق فلا يكل ذلك إلى رجاله

الصفحة 9