كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

تؤيد أن معناه في الآية أدبر وهي قوله تعالى: {وَاللَّيلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (٣٤)} فيكون عسعس في الآية بمعنى أدبر يطابق معنى آية المدثر هذه كما ترى، ولكن الغالب في القرآن أنه تعالى يقسم بالليل وظلامه إذا أقبل، وبالفجر وضيائه إذا أشرق، كقوله تعالى: {وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَى (١) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (٢)} وقوله: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (٣) وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَاهَا (٤)} وقوله: {وَالضُّحَى (١) وَاللَّيلِ إِذَا سَجَى (٢)} إلى غير ذلك من الآيات، والحمل على الغالب أولى وهذا هو اختيار ابن كثير وهو الظاهر خلافًا لابن جرير.
وسترى إيضاح هذا المبحث إن شاء الله في سورة التكوير.
ومن أمثلة الاشتراك في فعل قوله تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١)} فإنه مشترك بين قولهم: عدل به غيره إذا سواه به. ومنه قول جرير:
أثعلبة الفوارس أم رياحًا ... عدلت بهم طهية والخشابا
أي سويتهم بهم وبين قولهم: عدل بمعنى مال وصد ويدل للأول قوله تعالى: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالمِينَ (٩٨)} وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} الآية.
ومثال الإجمال بسبب الاشتراك في حرف قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} فإن الواو في قوله: {وَعَلَى سَمْعِهِمْ} وقوله: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ} محتملة للعطف على ما قبلها وللاستئناف، ولكنه تعالى بين في سورة الجاثية أن

الصفحة 11