كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

قوله هنا: "وعلى سمعهم" معطوف على قلوبهم، وأن قوله: "وعلى أبصارهم غشاوة" جملة مستأنفة مبتدأ وخبر، فيكون الختم على القلوب والأسماع والغشاوة على خصوص الأبصار، والآية التي بين بها ذلك هي قوله تعالى: {أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} وسترى في سورة البقرة الجواب عن آية النحل إن شاء الله تعالى.
ومن أمثلة الاشتراك في حرف أيضًا الاشتراك في الواو من قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} فإنها محتملة للعطف فيكون الراسخون في العلم يعلمون تأويل المتشابه ومحتملة للاستئناف، فيكون الله تعالى مستأثرًا بعلمه دون خلقه وفي الآية قرائن ترجح أنها للاستئناف أوضحها ابن قدامة في روضة الناظر قال: وفي الآية قرائن تدل على أن الله سبحانه وتعالى منفرد بعلم تأويل المتشابه وأن الوقف صحيح عند قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إلا اللَّهُ} لفظًا ومعنى، أما اللفظ فلأنه ذم مبتغى التأويل، ولو كان ذلك للراسخين معلومًا لكان مبتغيه ممدوحًا لا مذمومًا، ولأن قولهم: "آمنا" يدل على نوع تفويض وتسليم لشيء لم يقفوا على معناه إلى آخره. وسترى تمامه وتفصيله إن شاء الله في سورة آل عمران.
ومن أمثلة الاشتراك في حرف قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيدِيكُمْ مِنْهُ} فإن لفظة "من" مشتركة بين التبعيض وابتداء الغاية، وقد قال الشافعي وأحمد -رحمهما الله- هي في هذه الآية الكريمة للتبعيض، فاشترطا صعيدًا له غبار يعلق باليد، وقال مالك وأبو حنيفة -رحمهما الله- هي لابتداء الغاية فلم يشترطا

الصفحة 12