كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

في هذه المسألة في سورة الأحزاب.
ومثال الإبهام في معنى حرف قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا} فإن لفظة "من" فيه للتبعيض ولكن هذا البعض المدلول عليه بحرف التبعيض المأمور بإنفاقه مبهم هنا، وقد بينه تعالى بقوله: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} الآية، والعفو الزائد على الحاجة الضرورية، وسترى إيضاحه في أول سورة البقرة إن شاء الله تعالى.
ومن أنواع البيان في هذا الكتاب المبارك بيان الإجمال الواقع بسبب احتمال في مفسر الضمير وهو كثير؛ ومن أمثلته قوله تعالى في سورة العاديات {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (٧)} فإن الضمير يحتمل أن يكون عائدًا إلى الإنسان، وأن يكون عائدًا إلى رب الإنسان المذكور في قوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦)} ولكن النظم الكريم يدل على عوده إلى الإنسان وإن كان هو الأول في اللفظ بدليل قوله بعده: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) } فإنه للإنسان بلا نزاع، وتفريق الضمائر بجعل الأول للرب والثاني للإنسان لا يليق بالنظم الكريم.
ومن أنواع البيان التي تضمنها هذا الكتاب المبارك أن يذكر شيء في موضع يقع سؤال عنه وجواب في موضع آخر كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (٢)} فإنه لم يبين هنا ما المراد بالعالمين، ولكنه وقع سؤال عنهم وجواب في موضع آخر، وهو قوله تعالى: {قَال فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالمِينَ (٢٣) قَال رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَينَهُمَا} الآية - وسؤال فرعون هذا -لعنه الله- وإن كان في الأصل عن الرب جل وعلا، فقد دخل فيه الجواب عن المراد بالعالمين

الصفحة 16