كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

سببه في قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} فإنه لم يبين هنا سبب قسوة قلوبهم، ولكنه بينه بقوله: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} وقوله: {فَطَال عَلَيهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ}.
ومن أمثلة ذكر السبب قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} فإنه أشار هنا لسبب اسودادها بقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} الآية - وقد بينه في مواضع أخر كقوله: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} ونحوها من الآيات كما سترى إن شاء الله تحقيقه في آل عمران.
ومن أمثلة ذكر المفعول الواحد قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٢٦)} فإنه لم يذكر هنا مفعول يخشى، ولكنه أشار إليه في هود والذاريات، وإيضاحُه أن الإشارة في قوله هنا: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٢٦)} راجعة إلى ما أصاب فرعون من النكال والعذاب المذكور في قوله: {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَال الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (٢٥)}.
فإذا عرفت ذلك فاعلم أنه تعالى صرح في سورة هود بأن فيما أصاب فرعون من العذاب آية لمن خاف عذاب الآخرة، فصرح بأن الخوف واقع على عذاب الآخرة فهو المفعول، والخوف المذكور في هود هو الخشية المذكورة في النازعاتِ فقوله في هود: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ -إلى قوله- الْمَرْفُودُ (٩٩)} وقوله بعده: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ} يدل على أن المفعول المحذوف في النازعات هو عذاب الآخرة لتصريحه تعالى به في نفس القصة في هود،

الصفحة 21