كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

أما الكتاب فقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} فإنه رتب العدة بالأشهُر على عدم الحيض، فدل على أن أصل العدة بالحيض، وأن الأشهُر بدل من الحيضات عند عدمها، وأما السنة فحديث اعتداد الأمة بحيضتين، وحديث "دعي الصلاة أيام أقرائك" وسترى تفصيل هذه المسألة، وأدلة الفريقين في سورة البقرة إن شاء الله، وقد ذكرنا أن كونها الأطهار أرجح دليلًا في نظرنا، لأن آيتها أصرح، وحديثها المصرح بها أصح.
ومثال المسألة الثالثة من المسائل الثلاث المذكورة بياننا أن نائب الفاعل ربيون في قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ} على قراءة البناء للمفعول بقوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} ونحوها من الآيات، وبيانه أننا لو قلنا: إن نائب الفاعل ضمير النبي لزم على ذلك قتل كثير من الأنبياء في ميدان الحرب، كما تدل عليه صيغة {وَكَأَيِّنْ} وتصريح الله تعالى بأنه كتب الغلبة لنفسه ولرسله ينفي ذلك نفيًا لا خفاء به، لاسيما وقد قال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} فإن قوله تعالى: {وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} صريح في أنه لا مبدل لكون الرسل غالبين؛ لأن غلبتهم لأعدائهم هي مضمون كلمة {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}، فلا شك أنها من كلماته التي صرح بأنها لا مبدل لها، كما ذكره القرطبي وغير واحد، ونفى عن المنصور أن يكون مغلوبًا نفيًا باتًّا: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ}.

الصفحة 27