كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وقد أوضح تعالى أن المقتول من المتقاتلين ليس غالبًا في قوله: {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ} الآية - حيث جعل الغالب قسمًا مقابلًا للمقتول، ومعلوم ضرورة من اللسان الذي نزل به القرآن المقتول من المتقاتلين ليس بغالب، فهذا يبين بإيضاح أن نائب الفاعل ربيون، ويستشهد له بقراءة قُتِّلَ بالتشديد، لأن التكثير المدلول عليه بالتشديد يدل على وقوع القتل على الربيين، ولأجل هذه القراءة رجح الزمخشري وابن جني والبيضاوي والألوسي وغيرهم أن نائب الفاعل ربيون، وقد قدمنا أنا لا نعتمد في البيان على القراءة الشاذة، وإنما نذكرها استشهادًا للبيان بقراءة سبعية كما هنا، فيقول المخالف لنا في هذا المسألة كابن جرير، وابن إسحاق، والسهيلي -رحمهم الله- وغيرهم: قد دلت آيات أخر على أن نائب الفاعل ضمير النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي الآيات المصرحة بوقوع القتل على بعض الأنبياء كقوله: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (٨٧)} ونحوها من الآيات، وهي تبين أن القتل في محل النزاع واقع على النبي - صلى الله عليه وسلم - فنقول: يجب تقديم بياننا على بيانكم من ثلاثة أوجه:
الأول: أن الآيات المصرحة بقتل الكفار بعضَ الرسل التي هي دليل بيانكم أعم من محل النزاع؛ لأن النزاع في قتل الرسل في ميدان الحرب خاصة دون غيره، والآيات التي دلت على قتل بعض الرسل ليست واحدة منها في خصوص القتال البتة، والبيان لا يكون بالأعم، لأن الدليل على الأعم ليس دليلًا على الأخص، لإطباق العقلاء كافة على أن وجود الأعم لا يقتضي وجود الأخص، فمطلق قتل الرسول لا يدل على كونه في جهاد، لأنه أعم من كونه في

الصفحة 28