كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

جهاد أو غيره كما هو واضح، بخلاف البيان الذي ذكرنا بقوله: {لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} ونحوها، فإنه في محل النزاع، لأنه يصرح بأن الرسل غالبون، وهو نص في أن الرسول المقاتل غير مقتول، لأن المقتول غير غالب كما بينه بقوله {فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ} كما تقدم، ومعلوم أنه لا يعارض خاص في محل النزاع بأعم منه.
الوجه الثاني: أن البيان الذي ذكرنا تتفق به آيات القرآن العظيم على أفصح الأساليب العربية، ولم يقع بينهما تصادم البتة، وما ذكره المخالف يؤدي إلى تناقضها، ومصادمة بعضها لبعض؛ لأن الرسول الذي لم يؤمر بجهاد إذا قُتل لم يكن في ذلك إشكال، ولا مناقضة لقوله: {لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} لأنه لم يؤمر بالمغالبة؛ فلا يصدق عليه أنه مغلوب، ولا غالب، لعدم وجود المغالبة من أصلها في حقه، لأنها إن عدمت من أصلها فلا يقال غالب ولا مغلوب، لأن الغلبة صفة إضافية لا تقوم إلا بين متغالبين، بخلاف قتل الرسول المأمور بالمغالبة في الجهاد، فإنه مناقض لقوله {لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} والله يقول فيما وعد به رسله: {وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤)}.
الثالث: أن جميع الآيات الدالة على قتل بعض الرسل المستدل بها على صورة النزاع، كلها واردة في قتل الرسل في غير جهاد، كقتل بني إسرائيل أنبياءهم ظلمًا في غير قتال، وسترى إن شاء الله تعالى تحقيق هذا المبحث في آل عمران والصافات والمجادلة.
وربما كان في الآية الكريمة أقوال كلها حق وكل واحد منها يشهد له قرآن، فإنا نذكرها، ونذكر القرآن الدال عليها من غير

الصفحة 29