كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ -شعبة الشاك- صلى ركعتين"، هذا لفظ مسلم، وبما رواه مسلم أيضا في الصحيح عن جبير بن نفير قال: "خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر أو ثمانية عشر ميلا فصلى ركعتين، فقلت له: رأيت عمر صلى بذي الحليفة ركعتين، فقلت له، فقال: إنما أفعل كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل".
وأجيب من جهة الجمهور بأنه لا دليل في حديثي مسلم المذكورين؛ لأنه ليس المراد بهما أن تلك المسافة المذكورة فيهما هي غاية السفر، بل معناه أنه كان إذا سافر سفرا طويلا فتباعد ثلاثة أميال قصر؛ لأن الظاهر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يسافر عند دخول وقت الصلاة إلا بعد أن يصليها، فلا تدركه الصلاة الأخرى إلا وقد تباعد من المدينة، وكذلك حديث شرحبيل المذكور، فقوله: إن عمر رضي الله عنه صلى بذي الحليفة ركعتين محمول على ما ذكرناه في حديث أنس، وهو أنه كان مسافرا إلى مكة أو غيرها فمر بذي الحليفة، وأدركته الصلاة فصلى ركعتين، لا أن ذا الحليفة غاية سفره. قاله النووي وغيره، وله وجه من النظر، ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - القصر صريحا فيما دون مرحلتين كما جزم به النووي.
قال مقيده - عفا الله عنه -: قال ابن حجر: في التلخيص الحبير وروى سعيد بن منصور عن أبي سعيد قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر فرسخا يقصر الصلاة" وسكت عليه، فإن كان صحيحا فهو ظاهر في قصر الصلاة في المسافة القصيرة ظهورا أقوى من دلالة حديثي مسلم المتقدمين.

الصفحة 434