كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الأحاديث التي ذكرنا تدل قطعًا على مشروعية الحج عن المعضوب، والميت.
وقد قدمنا أن الأظهر عند وجوب الحج فورًا، وعليه فلو فرط، وهو قادر على الحج حتى مات مفرطًا مع القدرة أنه يحج عندنا من رأس ماله إن ترك مالًا؛ لأن فريضة الحج ترتبت في ذمته، فكانت دَيْنًا عليه، وقضاء دين الله صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث المذكورة بأحقيته، حيث قال: "فَدَيْنُ الله أحق أن يُقضى".
أما من عاجله الموت قبل التمكن، فمات غير مفرط، فالظاهر لنا أنه لا إثم عليه، ولا دَيْن لله عليه؛ لأنه لم يتمكن من أداء الفعل حتى يترتب في ذمته، ولن يكلف الله نفسًا إلَّا وسعها. وقد دلت الأحاديث المذكورة على جواز حج الرجل عن المرأة، وعكسه، وعليه عامة العلماء، ولم يخالف فيه إلَّا الحسن بن صالح بن حي.
والأحاديث المذكورة حجة عليه، وقد قدمنا أن مالكًا رحمه الله ومن وافقوه لم يعملوا بظاهر هذه الأحاديث التي ذكرنا مع كثرتها وصحتها؛ لأنها مخالفة عندهم لظاهر القرآن في قوله: {وَأَنْ لَيسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى (٣٩)} وقوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلًا} والمعضوب والميت ليس واحد منهما بمستطيع، لصدق قولك: إنه غير مستطيع بنفسه.
واعلم أن ما اشتهر عن مالك من أنه يقول: لا يحج أحد عن أحد: معناه عنده: أن الصحيح القادر لا يصح الحج عنه في الفرض. والمعضوب عنده ليس بقادر، وأحرى الميت؛ فالحج عنهما من مالهما لا يلزم عنده إلَّا بوصية، فإن أوصى به صح من الثلث. وتطوع وليه بالحج عنه خلاف الأولى عنده، بل مكروه.

الصفحة 111