كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)
على أن النائب في الحج، لا بد أن يكون قد حج عن نفسه، وقاس العلماء العمرة على الحج في ذلك، وهو قياس ظاهر، والعلم عند الله تعالى.
وخالف في ذلك بعض العلماء كأبي حنيفة ومن وافقه، فقالوا: يصح حج النائب عن غيره وإن لم يحج عن نفسه، واستدلوا بظواهر الأحاديث التي ذكرناها في الحج عن المعضوب والميت، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول فيها: "حج عن أبيك، حج عن أمك"، ونحو ذلك من العبارات، ولم يسأل أحدًا منهم هل حج عن نفسه أو لا. وترك الاستفصال ينزل منزلة العموم في الأقوال كما تقدم.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الأظهر تقديم الحديث الخاص الذي فيه قصة شُبرمة؛ لأنه لا يتعارض عام وخاص، فلا يحج أحد عن أحد، حتى يحج عن نفسه حجة الإِسلام. والعلم عند الله تعالى.
تنبيه
قد علمت مما مر أن الحج واجب مرة في العمر، وهل ذلك الوجوب على سبيل الفور أو التراخي؟
اختلف أهل العلم في ذلك وسنبين هنا إن شاء الله أقوالهم، وحججهم، وما يرجحه الدليل عندنا من ذلك: فممن قال: إن وجوبه على التراخي: الشافعي وأصحابه. قال النووي: وبه قال الأوزاعي، والثوري، ومحمد بن الحسن، ونقله الماوردي عن ابن عباس، وأنس، وجابر، وعطاء، وطاوس. وممن قال إنه على الفور: الإِمام أحمد، وأبو يوسف، وجمهور أصحاب أبي حنيفة والمزني. قال النووي: ولا نص في ذلك لأبي حنيفة. وقال صاحب تبيين الحقائق