كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)
خلاف أن آية: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} الآية، نزلت عام ست من الهجرة في شأن ما وقع في الحديبية من إحصار المشركين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأصحابه، وهم محرمون بعمرة، وذلك في ذي القعدة من عام ست بلا خلاف، ويدل عليه ما تقدم في حديث كعب بن عجرة الذي نزل فيه: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} وذلك متصل بقوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} الآية، ولذا جزم الشافعي، وغيره: بأن الحج فرض عام ست قالوا: وإذا كان الحج فرض عام ست، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحج إلَّا عام عشر، فذلك دليل على أنه على التراخي، إذ لو كان على الفور لما آخره عن أول وقت للحج، بعد نزول الآية. قالوا: ولا سيما أنه عام ثمان من الهجرة فتح مكة في رمضان، واعتمر عمرة الجعرانة في ذي القعدة من عام ثمان، ثم رجع إلى المدينة، ولم يحج، قالوا: واستخلف عتاب بن أسيد، فأقام للناس الحج سنة ثمان، بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقيمًا بالمدينة هو أزواجه وعامة أصحابه، ولم يحجوا، قالوا: ثم غزا غزوة تبوك في عام تسع، وانصرف عنها قبل الحج، فبعث أبا بكر رضي الله تعالى عنه، فقام للناس الحج سنة تسع، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو وأزواجه وعامة أصحابه قادرون على الحج، غير مشتغلين بقتال، ولا غيره، ولم يحجوا، ثم حج - صلى الله عليه وسلم - هو وأزواجه وأصحابه كلهم سنة عشر حجة الوداع، قالوا: فتأخيره الحج المذكور إلى سنة عشر، دليل على أن الحج ليس وجوبه على الفور، بل على التراخي.
واستدلوا لذلك أيضًا بما جاء في صحيح مسلم في قصة