كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)
ووجه الدلالة من الأحاديث المذكورة على ما فيها من المقال أنها تصرح أنه لا يمنعه من الإِثم إلَّا مانع يمنعه من المبادرة إلى الحج، كالمرض، أو الحاجة الظاهرة، أو السلطان الجائر، فلو كان تراخيه لغير العذر المذكور لكان قد مات، وهو آثم بالتأخير، فدل على أن وجوب الحج على الفور، وأنه لا يجوز التراخي فيه إلا لعذر.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار - بعد أن ساق الطرق التي ذكرناها عن صاحب التلخيص - : وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا وبذلك تتبين مجازفة ابن الجوزي في عده لهذا الحديث من الموضوعات، فإن مجموع تلك الطرق لا يقصر عن كون الحديث حسنًا لغيره، وهو محتج به عند الجمهور، ولا يقدح في ذلك قول العقيلي والدارقطني: لا يصح في الباب شيء؛ لأن نفي الصحة لا يستلزم نفي الحسن. اهـ محل الغرض منه.
ومن أدلتهم أيضًا على أن وجوب الحج على الفور ما قدمناه في سورة البقرة، من حديث الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من كسر أو عرج فقد حل، وعليه الحج من قابل" قال عكرمة: سألت ابن عباس، وأبا هريرة عن ذلك، يعني: حديث الحجاج بن عمرو المذكور فقالا: صدق. وقد قدمنا أن هذا الحديث ثابت من رواية الحجاج بن عمرو الأنصاري، وابن عباس وأبي هريرة. وقد قدمنا أنه رواه الإِمام أحمد، وأصحاب السنن، وابن خزيمة، والحاكم، والبيهقي. وقد قدمنا: أنه سكت عليه أبو داود، والمنذري، وحسنه الترمذي، وأن النووي قال فيه: رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، وغيرهم